Skip to main content

القوة الناعمة الروسية تغزو إفريقيا

تقاريـر السبت 22 حزيران 2019 الساعة 16:51 مساءً (عدد المشاهدات 2290)

بغداد  /  متابعة سكاي برس

منذ أن بدأ المقاولون العسكريون الروس في الظهور في جمهورية إفريقيا الوسطى عام 2018، نمت طموحات روسيا الاستراتيجية في القارة السمراء، مع كل تفاعل بين موسكو وأي جهة فاعلة في القارة.

ولفترة طويلة منذ انتهاء الحرب الباردة، كانت إفريقيا غير مهمة نسبيا لسياسة روسيا الخارجية، ولكن مع بدء موسكو الانتقال إلى دور دولي جديد على مدار الأعوام الخمسة الماضية، عادت إفريقيا إلى الصدارة في السياسة الخارجية لموسكو؛ بسبب أهميتها بالنسبة لأهدافها في المنافسة العالمية الكبرى على السلطة والنفوذ.

وعلى الرغم من أن روسيا لديها موارد أقل من منافسيها لتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية، إلا أنها توفر المزيد من المرونة وتفرض قيودا أقل.

من الحرب الباردة إلى النهضة الروسية

ومنذ أن وصل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، إلى السلطة في بداية القرن الحادي والعشرين، سعت الحكومة الروسية جاهدة لاستعادة دورها البارز كقوة جيوسياسية.

وبعد أن عاد "بوتين" إلى الرئاسة عام 2012، وبعد ضم موسكو لشبه جزيرة "القرم" عام 2014، أصبحت سياسة روسيا الخارجية أكثر حزما.

وبينما ظهر هذا في البداية في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، فإنه ينتقل الآن إلى إفريقيا.

وليس من قبيل الصدفة، أن تكون روسيا قد صاغت سياستها الإفريقية الحالية بعيدا عن سياسة الاتحاد السوفيتي السابقة.

فلقد غيرت الديناميات العالمية المتغيرة بعض عناصر الاستراتيجية الروسية في إفريقيا، التي لم تعد تدور حول النشر الأمامي للقاذفات الاستراتيجية القادرة نوويا، أو نشر الاقتصاديات الماركسية.

لكن روسيا لا تزال تستخدم المفاهيم الأيديولوجية للوحدة الإفريقية والقومية الإفريقية لتوليد صلات عميقة بين نشطاء ما بعد الاستعمار في القارة، وبين جدول أعمال موسكو الدولي.

واليوم، بدلا من العمل مع الحركات الثورية، اختبرت روسيا إمكانية المواءمة الأيديولوجية مع الحكام الأفارقة، لاسيما فيما يتعلق بمعارضة الديمقراطية، والمبادرات القائمة على حقوق الإنسان، والتدخل من جانب الغرب.

ومثل روسيا، يشعر العديد من الحكام الأفارقة بالضغط الغربي في مواضيع مثل انتقال السلطة والقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحرر الاقتصادي.

ويمكن لروسيا أن تثير مشاعر القومية الإفريقية بين هؤلاء الحكام، وتشجع المسار المستقل للدول الإفريقية، أو على الأقل المسار المختلف عن الغرب.

دوافع موسكو

وتتوافق هذه الأهداف مع المصالح العملية لروسيا.

فمن ناحية، تضمنت استراتيجيات السياسة الخارجية الأكثر حزما لروسيا عدم السماح بانهيار الأنظمة الاستبدادية.

وقد عزى العديد من المسؤولين في الكرملين هذا الأمر إلى التزام روسيا بالحفاظ على الاستقرار العالمي بعد أحداث الربيع العربي "الفوضوية" وآثار تدخل "الناتو" في ليبيا.

وظهرت آثار هذه السياسة في دعم موسكو لقادة مثل الرئيس السوري "بشار الأسد" أو الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو".

وتطبق روسيا نفس المنطق في إفريقيا، حيث دعمت بنشاط حكم الرئيس "فوستين أرشانج تواديرا"، رئيس جمهورية لإفريقيا الوسطى.

وحتى وقت قريب، كانت روسيا تدعم الرئيس السوداني المعزول "عمر البشير".

ولكن في حين أن الاستقرار في إفريقيا قد يفيد روسيا من خلال المساعدة في منع انتشار التشدد أو تذليل العقبات الاقتصادية، إلا أنها ليست أكبر الفوائد التي قد تعود عليها في القارة.

ويعد أكثر ما تحتاج إليه روسيا في مواجهتها الحالية مع الغرب، هو العلاقات البديلة والتكميلية في جميع أنحاء العالم.

وفي إفريقيا، يأتي هذا التعاون في أشكال عديدة، ولكنه يدور عادة حول الفرص الاقتصادية، مثل الوصول إلى الأسواق، وصفقات الموارد الطبيعية، ومبيعات الأسلحة، والمواءمة الدبلوماسية في الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى.

وعلى عكس روسيا، التي تتمتع بحق النقض "الفيتو"، كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، لا تحتل الدول الإفريقية مناصب رئيسية في المنظمة.

لكن، معا، يبلغ عدد الدول الإفريقية الأعضاء في الأمم المتحدة 54 عضوا، أي ما يقرب من ثلث إجمالي الأصوات في الجمعية العامة.

تنفيذ الاستراتيجية

وفي مساعيها لتوسيع نفوذها في إفريقيا، تركز روسيا على الارتباطات العسكرية مع الدول الإفريقية التي تعتبر بالغة الأهمية للمنافسة المستمرة على موقعها كقوة عظمى.

ونشرت روسيا متعاقدين عسكريين خاصين في جمهورية إفريقيا الوسطى، لتوصيل الأسلحة وتدريب القوات الحكومية وتوفير الحماية الشخصية للرئيس.

واتخذت إجراءات مماثلة في ليبيا، حيث طورت علاقاتها مع مختلف الأطراف في الصراع المستمر. وفي السودان، حيث دعم المستشارون الروس "البشير"، فإنهم يراقبون الآن الانتقال المعقد للسلطة.

وفي مايو/أيار الماضي، أعلنت روسيا عن خطط لنشر خبراء فنيين في جمهورية الكونغو لتدريب القوات المحلية على استخدام المعدات العسكرية الروسية.

أما الأجزاء الأخرى من استراتيجية روسيا في إفريقيا، فتبقى أكثر "نعومة".

وفي جميع أنحاء القارة، تعمل روسيا في عمليات المعلومات ودعم التنمية والعلاقات الاقتصادية ومبيعات الأسلحة وغيرها من المجالات.

ويتم تنسيق كل هذه الأنشطة من أجل إقامة علاقات قوية وموثوقة مع القادة الأفارقة والعمل على إبقائهم في السلطة.

ووفقا لتسريب أخير، قام به "ميخائيل خودوركوفسكي" في صحيفة "الغارديان"، فإن المسؤول عن إدارة هذه الشبكة الواسعة من النشاط هو "يفغيني بريغوزين"، السياسي البارز الذي يركز على النشاط الروسي غير الرسمي في الخارج، والمشتهر بلقب "طباخ بوتين".

ومن خلال "بريغوزين" وعدد من الكيانات الخاصة المرتبطة به، تستطيع روسيا توفير الضمانات الأمنية لـ "فاغنر"، وهي شركة أمنية روسية خاصة، والتأثير على المنظمات الإعلامية المحلية والمنظمات غير الحكومية، وتقديم المشورة مباشرة للقادة الأفارقة.

ويوفر الهيكل غير الرسمي، قدرا كبيرا من المرونة التي لا يسمح بها نشاط الدولة العلني.

ومع ذلك، تنخرط روسيا في اتصالات اقتصادية وعسكرية مباشرة مع إفريقيا، ولا ينبغي التقليل من التفاعلات العلنية، التي تخدم أغراضا رمزية وعملية هامة.

وتعد إحدى الخطوات الكبيرة في هذا الاتجاه هي القمة الروسية الإفريقية، المزمع عقدها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل في "سوتشي"، التي سيحضرها زعماء جميع الدول الإفريقية تقريبا.

ولا تعد هذه القمة مجرد لفتة رمزية لإفريقيا، بل هي توفر فرصة واقعية للغاية لروسيا والقادة الأفارقة لاستكشاف تفاعل اقتصادي مستدام مع دول القارة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، يزعم أن الخطط الروسية تضمنت أيضا خططا ضخمة للبنية التحتية، مثل إنشاء السكك الحديدية أو الطرق السريعة التي تربط ساحل البحر الأحمر بغرب إفريقيا.

وكانت مثل هذه الخطط موجودة منذ فترة طويلة، لكن عقبة التمويل الهائل التي تتطلبها تلك حالت دون التنفيذ.

الطموح يصطدم بالواقع

وبينما حققت روسيا حتى الآن نجاحات عديدة في إفريقيا، فإن هذه الطموحات لها تكلفة باهظة.

ولا تملك البلاد الموارد المالية الهائلة للقوى العالمية الأخرى، التي قد تسمح لها ببساطة بشراء طريقها إلى الدول الإفريقية أو تمويل مشاريع البنية التحتية.

وفي مسرح تحمي فيه العديد من القوى الأخرى نفوذها أو تكتسبه بنشاط، فإن القيود الروسية قد تعيقها بشكل كبير.

وتتمتع دولة مثل الصين، على سبيل المثال، بجيوب أعمق بكثير، يمكنها من خلالها توفير حوافز اقتصادية أكبر للقادة الأفارقة، على الرغم من أن التحديات الاقتصادية المحلية قد حدت إلى حد ما من الإنفاق الصيني على البنية التحتية في إفريقيا.

وفي الوقت نفسه، يمكن للجهات الفاعلة الغربية، مثل الولايات المتحدة أو فرنسا، تقديم روابط أكثر استدامة للقارة، فضلا عن الدعم الدفاعي والأمني المتطور للغاية.

ومع ذلك، يشعر العديد من القادة الأفارقة بالقلق من المطالب الغربية بالتحرر السياسي الذي قد يهدد مناصبهم، ويشعرون بالقلق كذلك من الممارسات الاقتصادية الصينية التي قد تكبل الاقتصادات الضعيفة وتلقي بها بسرعة في غياهب الديون.

لذلك، في حين أن روسيا نفسها قد تكون مقيدة بقلة الموارد التي يمكنها إنفاقها، ربما تكون المخاوف بشأن الممارسات الغربية والصينية أعظم أداة لروسيا في المنافسة على النفوذ في إفريقيا.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة