Skip to main content

الهارب من القضاء طارق الهاشمي يكتب : ازمة لكن مفتعلة

مقالات الأربعاء 16 كانون أول 2015 الساعة 12:45 مساءً (عدد المشاهدات 781)

طارق الهاشمي

تصاعدت حدة التوتر بين بغداد وأنقرة خلال الأيام القليلة الماضية، بدعوى الاحتجاج على قيام تركيا مؤخرا بإرسال وحدة عسكرية محدودة العدة والعدد لغرض حماية فريق تدريب عسكري يتواجد في ضواحي الموصل منذ سنة ونصف بناء على طلب من رئيس الوزراء حيدر العبادي، تصرفت تركيا في إطار التحالف الدولي ضد الإرهاب وهو تتولى منذ ما يزيد على السنة والنصف تأهيل مقاتلين وإعدادهم للمشاركة في تحرير الموصل، ألم تنشر الولايات المتحدة مؤخرا قوات (برية) خاصة من المارينز إضافة لحماية فرق التدريب الأمريكية غرضها القيام بعمليات سرية داخل الأراضي العراقية؟ لم نسمع أن أحدا اعترض!!

كان من المفروض أن يكون غرض استقدام هذه القوات كافيا للتعاطي مع الحدث بذهن مفتوح، آخذين بنظر الاعتبار أن اتفاقية بين العراق وتركيا كانت أبرمت في تسعينيات القرن الماضي تسمح للجيش التركي بملاحقة إرهابيين داخل الأراضي العراقية، جددت في زمن نوري المالكي وطالب بتفعيلها حيدر العبادي وبناء عليها أرسلت تركيا منذ أسابيع معدات عسكرية عاجلة للعراق جوا عن طريق مطار بغداد الدولي.

منذ سنة ونصف والقوات التركية متواجدة في بعشيقة لأغراض التدريب والكل على علم بذلك وإثارتها في هذا الوقت يتزامن والحملة التي تتعرض لها تركيا من جانب روسيا وإيران بسبب الموقف المبدئي التركي من نظام بشار الأسد، لهذا نعتبر الضجة مغرضة ومفتعلة حرضت عليها الدولتان من باب الشغب السياسي ودفع العراق للارتماء أكثر في حضن إيران وحرمان العراق من أي منفعة تجنيها من خلال علاقات طبيعية مع تركيا وهو ما دأبت عليه إيران منذ عام 2003 وحرصت عليه روسيا مذ تدخلت في سوريا.

من جانب آخر لابد من التنويه على البعد الطائفي لهذا الموقف وهو واضح وضوح الشمس، ذلك أن النخبة الموالية لإيران والتي تصنع القرار السياسي لا تريد أن ترى السنة أقوياء حتى لو كان الغرض المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، ولهذا تم عرقلة مشروع قانون الحرس الوطني، كما تمنع حكومة العبادي تسليح عشائر الأنبار، أما الصدام مع البشمركة (كرد سنة) في الطوز وآمرلي والتهديد بحرب ضروس في سنجار فلا تفسير له غير ذلك، وفي هذا الإطار تندرج الحملة الدعائية المغرضة على تركيا والسعودية وقطر.. أن تكون سنيا فأنت لا مكان لك في العراق الجديد، يتساوى في ذلك العربي السني والكردي والتركي.

السيادة ومنع التدخل والنفوذ الأجنبي مبدأ لا يختلف عليه أحد، لكن السؤال هل هو موجود على أرض الواقع فعلا؟ الحقائق الماثلة على الأرض هي التي تجيب، ترى كيف نفسر صولات وجولات الجنرال قاسم سليماني في صلاح الدين وكركوك وديالى وحزام بغداد ومعه جنرالات الحرس الثوري الإيراني في إيران، وبماذا نفسر غزوات جنودها بذريعة الزيارة الأربعينية كما حصل عبر منذ الشلامجة/البصرة عام 2014 وعبر منذ زرباطية منذ أيام، بل بماذا نفسر نفوذ إيران التخريبي في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع وبالطبع في الأمن، وماذا بقي من سيادة للعراق والقوات الغربية لا تكتفي باستباحة المجال الجوي فحسب بل هي موجودة على الأرض سواء كانت قوات خاصة أو تقليدية عامة تتحرك وفق أجندتها بعلم أو بجهل القائد العام للقوات المسلحة، بل نقول هل حصل في دولة ذات سيادة أن تجبر على تعليق طيرانها المدني كي تسمح لصواريخ كروز الروسية أن تعبر مجالها الجوي إلى دولة مجاورة وبكل ما ينطوي عليه ذلك من أخطار!! وهل المليشيات الأعلى ضجيجا في الحديث عن السيادة قد أبقت من سيادة للدولة العراقية بل من سلطة لحكومة حيدر العبادي والكل يعلم أنها بحكم الدستور تشكيلات مارقة وخارجة عن القانون؟

هل يملك العراق قراره السيادي؟؟ الإجابة على ذلك بالطبع كلا والأدلة لا تعد ولا تحصى رغم ذلك لم نسمع أحدا من النخبة السياسية الحاكمة أثار هذا الموضوع من قريب أو بعيد.. والسبب معلوم.

لكن السؤال المحير، هو لماذا نام حيدر العبادي على كل هذه الخروقات وصحى فجأة على انتشار قطعات محدودة بالعدة والعدد وصنع منها حدث الساعة، تصوروا كيف كانت ردة الفعل لو تصرفت تركيا كما تتصرف إيران... لو أرسلت تركيا جنرالاتها للحرب في المحافظات الساخنة؟ تصوروا لو حشدت مئات الألوف من الأتراك وحرضتهم - كما فعلت إيران - للهجوم على منفذ إبراهيم الخليل؟ تصوروا لو أرسلت راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة لدعم مليشيات عميلة بحجة محاربة الإرهاب؟ تصوروا لو صرح مسؤولوها بأن تركيا استعادت ميراث الدولة العثمانية وبات العراق ولاية من ولاياتها كما صرح كبار المسؤولين في إيران؟ ترى كيف كان من المتوقع أن تكون ردة الفعل؟.. إن موقف حيدر العبادي فضيحة، والضجة مفتعلة ولا تصب في صالح العراق ومن غير المقبول توظيف العراق العظيم ليصبح مخلب قط تحركه أجندة إيران أو روسيا، العراق أكبر من ذلك، وهو الخاسر في تردي العلاقات مع تركيا التي يرتبط معها بمصالح إستراتيجية تتعلق بحياة العراقيين، لقد حافظت تركيا على علاقات متوازنة مع الجميع كما أنها أسهمت بفعالية في تنمية عراق ما بعد الغزو ومدت يد العون والمساعدة للعراقيين في أحلك الظروف، وهي تفعل الشيء ذاته ولم تغفل مسؤوليتها حتى في احتضان وإيواء مئات الألوف من المهجرين الهاربين من الموت.. ويبقى العراق بأمس الحاجة لتركيا ولتجربتها الناجحة وتفوقها اللافت للنظر في الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، إن المصلحة الوطنية تقتضي تفعيل 48 مذكرة تفاهم تخدم العراق في السياسة والاقتصاد والبناء والإعمار والأمن والثقافة.. إلخ، ونكرر ليس من مصلحة العراق التفريط بذلك كله لمجرد واقعة منعزلة فيها الكثير من سوء الفهم والمقصد يمكن تطويقها بالحوار الهادف البناء، وعلى حكومة العبادي أن تحذر وتنأى بنفسها عن سياسة المحاور لأن العراق سيكون الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، والذين يدفعون الموقف السياسي باتجاه معاداة تركيا عليهم أن يراجعوا أنفسهم وسياستهم قصيرة النظر هذه، وأن يضعوا حدا لحملة التصعيد التي لا مبرر لها تمهيدا لتطبيع العلاقات على عجل. نقول ذلك لا دفاعا عن تركيا ولكن حرص على مصلحة العراق.

رب ضارة نافعة، والفرصة باتت سانحة ولا ينبغي تضييعها بل استثمارها من أجل فتح الملف السيادي كاملا ومراجعة ممارسات الدول ذات الصلة وعلى وجه الخصوص إيران والتحالف الدولي وروسيا، من أجل حصر جميع التجاوزات والانتهاكات تمهيد لمعالجتها وفق مقتضيات السيادة، وهنا لابد من التذكير بتفادي المعايير المزدوجة باعتبار السيادة مسؤولية وشرف لا يمكن المساومة عليها مهما كان مستوى العلاقات مع هذه الدولة أو تلك، ومتى فعلت حكومة حيدر العبادي ذلك فإنها تكون قد قدمت الدليل على نزاهة توجهاتها. لكني أشك أنها قادرة على تحمل مسؤوليتها والسبب أن القرار السياسي العراقي مختطف كون العراق مع الأسف بات دولة فاقدة للسيادة.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك