خاص سكاي برس/ بغداد
كتبه / مراد الغضبان لا تحتاج إسرائيل إلى إذنٍ كي تعبر سماء العراق، ولا تنتظر إيران بيانًا من بغداد لتدرك أن الأرض مستباحة. ورغم أن العراق رسميًا ليس طرفًا في الحرب، إلا أنه عمليًا بات أقرب إلى ممرٍ عسكري مكشوف، لا يحظى باحترامٍ دولي، ولا يجد من يدافع عنه بجدّية.
في ظل التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران، تتكرر الضربات، وتحلّق الطائرات في أجواء العراق كما لو كانت فراغًا جويًا بلا رادع، وبلا موقف رسمي حازم. كلما أصدرت الحكومة بيانًا خافتًا يندّد بـ”الانتهاكات”، هبطت الضربة التالية دون اكتراث. حتى باتت هذه البيانات أقرب إلى طقوسٍ بيروقراطية تُقرأ بلا أثر، بدل أن تُستخدم كرادع حقيقي.
من يراقب المشهد يلحظ أن العراق، رغم ثقله الجغرافي، غائب عن المعادلة العسكرية والسياسية. لا أحد يستشيره، ولا أحد يتوقع منه ردّ فعل فاعل. ليس فقط لأن الآخرين يستخفّون به، بل لأن صمته المتراكم جعلهم يعتادون تجاوزه دون تكلفة.
المؤسف أن الدولة العراقية لا تعاني من فقر في الخطابات، بل من غياب في القدرة. فبأي منطق نطالب باحترام السيادة ونحن نفتقر إلى منظومات دفاع جوي مؤثرة، ولا نملك موقفًا سياسيًا يربك المعتدي، ولا أدوات دبلوماسية تفرض حضورنا أو تُحرج من يخرق أجواءنا؟
في المقابل، ثمة تجارب إقليمية جديرة بالملاحظة – لا للمقارنة بقدر ما هي لإدراك الفجوة:
سوريا، رغم الحرب، لا تزال تمتلك منظومات وتستخدمها حتى ولو رمزيًا. تركيا تُدافع عن مجالها الجوي بصرامة. وبعض دول الخليج تتعاطى مع أمنها الجوي ضمن رؤية استراتيجية واعية.
أما العراق؟ فالساحة مفتوحة، والطائرات تعبر، والردّ الرسمي لا يتجاوز “القلق العميق”.
ما يجري ليس مجرد عبور عارض، بل خرقٌ متكرر للسيادة وهيبة الدولة. ولو كنا نملك تصورًا حقيقيًا لمعنى السيادة، لكانت سماؤنا خطًا أحمر لا يُخترق بلا ردّ.
لكن يبدو أن ردّنا بات محصورًا في لجان وتصريحات مؤقتة، وكأن مفهوم السيادة لم يعد مشروعًا عمليًا، بل فكرة نظرية بلا أدوات تنفيذ: لا سلاح، لا إرادة، ولا تحالفات تُعوَّل عليها.
علينا قولها بوضوح:
الشعوب التي لا تملك القدرة على الدفاع، لا تعيش بأمان. والدول التي تتردد في حماية أجوائها، قد تُستباح أرضها أيضًا.
أما الشعوب التي تُخدَّرها بيانات السياسيين، فستصحو دائمًا على خيباتٍ أكبر.
أجواؤنا تُنتهك، وأرضنا تُستباح، وبغداد تكتفي بـ”القلق العميق”.
لكن حين تصل النيران إلى الداخل، وحين لا يفرّق المعتدي بين ممر ومعسكر، لن يُجدي الصمت.
فالتاريخ لا يرحم المتفرجين