خاص/ سكاي برس
مــــــــــراد الغـــــــــضبان ..
في المدن والبلدات، تتكاثر المقاهي كما لو أنها تنبت من الإسفلت. بعضها يفتح أبوابه من الصباح الباكر، ولا يغلقها إلا بعد منتصف الليل. ما كان يُعد متنفسًا مؤقتًا، تحوّل اليوم إلى مأوى دائم يهرب إليه الكثير من الرجال من تفاصيل البيت، ومسؤوليات الأسرة، وأحيانًا من ذواتهم.
أصبح المقهى المكان الذي يقضي فيه بعض الرجال أغلب أوقاتهم، يدخنون النرجيلة، يحتسون القهوة، ويمضون الساعات في أحاديث مكررة، بينما زوجاتهم ينتظرن، وأطفالهم يكبرون دون أب حاضر. في مشهد يتكرر بصمت، تدخل العلاقات الأسرية مرحلة الفتور، ثم التنافر، ثم الانفجار.
أم احمد، أم لخمسة أطفال، تقول: “زوجي ما عاد له وقت للبيت، يروح شغله، وبعده يروح المقهى. يرجع وقت النوم. ما يعرف شي عن أولاده، لا مدارسهم، لا همومهم. وأنا؟ صرت مجرد خيال في البيت”.
هذه القصة ليست استثناء، بل تتكرر بصيغ متعددة في أحياء مختلفة. النرجيلة ليست هي المشكلة وحدها، بل الهروب المستمر، الانفصال العاطفي، الغياب المقنّع باسم “الاستراحة”.
في مراجعة غير رسمية لقضايا الطلاق خلال العامين الماضيين، ظهر أن نسبة معتبرة من الشكاوى التي تقدمت بها نساء كانت مرتبطة بإدمان الأزواج على ارتياد المقاهي. الأمر تجاوز المزاج إلى نمط حياة يؤثر في علاقة الرجل بأسرته، بل وفي نظرته لدوره داخل البيت.
الدكتور سامي الحيدري، باحث اجتماعي، يرى أن “المشكلة لم تعد في وجود المقاهي، بل في غياب التوازن. حين يصبح المقهى بديلاً عن البيت، يتحوّل من مكان للراحة إلى سبب في الانفصال”.
يضيف أن العائلة باتت تنافس على وقت الرجل، لكنها تخسر أمام النرجيلة والأحاديث الفارغة، لأنها لا تملك عنصر الإغراء اللحظي نفسه.
المقاهي اليوم أصبحت بيوتًا بديلة، لكنها بيوت بلا دفء، بلا التزام، بلا معنى. يستسهل البعض اللجوء إليها بحجة الترفيه، لكنها تفرغهم من الداخل، وتترك وراءهم بيوتًا متعبة، وزوجات مهملات، وأطفالًا يربّون أنفسهم.
الحل ليس في إغلاق هذه الأماكن، بل في كسر العادة. في إعادة ترتيب الأولويات. الرجل الذي يقضي ثلاث أو أربع ساعات يوميًا في مقهى، ليس مشغولًا، بل هارب. والمقهى في هذه الحالة ليس مجرد طاولة وكرسي، بل حائطًا يفصل بينه وبين مسؤولياته.
الأسر لا تنهار فجأة. تبدأ بالغياب، بالصمت، بالإهمال، ثم بالانفجار. والمقاهي، حين تبتلع وقت الرجل، تترك خلفها نساء يذبلن بصمت، وأطفالًا يعتادون الغياب