Skip to main content

سيناريوهات ما بعد عودة طالبان

مقالات الأحد 22 آب 2021 الساعة 11:25 صباحاً (عدد المشاهدات 1130)

سكاي برس /

تاج الدين عبد الحق

 

لا الانتصار السهل، الذي حققته حركة طالبان، ولا الانهيار السريع لحكومة كابول، دليلان كافيان لتأكيد أن الحرب في أفغانستان قد حُسمت، وأن ما حدث كان نتيجة طبيعية متوقعة، وليس مفاجأة أربكت الجميع، وعقّدت حسابات الكثيرين، ومن بينهم أولئك الذين كانوا منخرطين مباشرة في الصراع، أو يواكبون الحدث الأفغاني، ويتابعونه عن كثب.

 

صحيح أن طالبان كانت قد حسّنت قبل الانتصار الأخير، موقفها الميداني، واستطاعت أن تأخذ اعترافًا أمريكيًا، قبل أن تتبوأ مقعدًا مهمًا لها في مسيرة الحل السياسي، إلا أنّ أحدًا لم يكن يعتقد أن ذلك سيقودها بهذه السهولة، إلى سدّة الحكم من جديد.

في المقابل، فإن التأكيدات الأمريكية حول ترتيبات انسحابها من أفغانستان، وحساباتها بشأن عواقب الانسحاب المتعجل، لم تكن تصل إلى درجة هذه الفوضى، التي حدثت مع توالي سقوط الأقاليم الأفغانية، ودخول قوات حركة طالبان لكابول.

 

ما يحدث إلى الآن، يبعث على الحيرة ويثير التساؤلات، والتي تتدرج من الحديث عن مؤامرة محبوكة ومرسومة بين الولايات المتحدة، وحركة طالبان، تنتهي بتسلّم واستلام السلطة، واعتراف أمريكي بالحكم الجديد. لكن هذا التفسير التآمري، لا يجيب على ما أصاب صورة أمريكا، التي تذكر بهزيمتها المهينة في فيتنام، وما أحدثه هذا الانسحاب الفوضوي من انتقادات.

 

أما التفسير الثاني الذي يروجه مؤيدو الحركة، ومناصروها داخل وخارج أفغانستان، فإنه يرى فيما حدث، تعبيرًا عن النضوج السياسي لطالبان، مكّنها من احتواء خصومها الداخليين، وإظهار نواياها الطيبة، واستعدادها للتفاهم مع الذين يناصبونها العداء في الخارج، فضلًا عن أنه يشير إلى رغبتها في الحصول على الدعم المادي والمعنوي، الذي يمكّن الحركة من الاندماج في المجتمع الدولي من جديد.

 

في المقابل، فإن هناك من يرى في السلاسة التي حدث فيها الانتصار الطالباني، والانهيار الكبير لحكومة كابول، هدوءًا يسبق عاصفة آتية لا ريب فيها. فقوات الحركة التي احتلت المدن الآن تشعر بانتصار المحارب، الذي يطمح إلى جني غنائم حربه الطويلة، وستجد الحركة نفسها عاجلًا أو آجلًا، في صراع داخلي، طرفاه طبقة السياسيين في الحركة، الذين خبروا العمل السياسي، حتى مع أعدائهم الأمريكان، وطبقة العسكريين الميدانيين، الذين يشعرون بأنهم هم الذين حققوا الانتصار، وأنهم أحق بثماره على الصعيد السياسي، وعلى صعيد المزايا المادية، وسيكون من الصعب إقناعهم بالعودة مجددًا إلى معاقلهم في الجبال والكهوف، التي خاضوا الحرب منها.

 

وطبقة السياسيين الطالبانيين، إن جاز التعبير، ستكون أيضًا، في صراع مع من بقي من رجالات الحكم البائد سياسيين وعسكريين، ومع رجال الأعمال والمال الذين انتفعوا من الوجود الأمريكي خلال العقدين الماضيين، والذين لديهم الاستعداد لخوض معارك سياسية وقبلية، من أجل الاحتفاظ بما حصلوا عليه من امتيازات وثروات.

 

حركة طالبان ستكون كذلك، في صراع مع خصومها التقليديين من قيادات حركات المجاهدين السابقة، التي لا تزال تحتفظ بميليشيات طائفية مسلحة، تدافع بها عن امتيازاتها القبلية والطائفية. وقد ظهرت بوادر هذا الصراع في بروز قيادات المجاهدين القديمة؛ إما طمعًا في استعادة إرثها، أو رغبة في اقتسام الكعكة الجديدة.

 

فوق هذا وذاك ستجد الحركة نفسها في مواجهة مع قوى وميليشيات خارجية، ترى في أفغانستان الآن بيئة مواتية لإعادة إنتاج مشاريعها السياسية والجهادية، خاصة في ظل الضربات الكبيرة التي وُجهت لها في العراق وسوريا وليبيا. ولعل المواجهة الطالبانية مع داعش، ستكون من إرهاصات الحروب من هذا النوع؛ خاصة إذا وجدت الميلشيات المسلحة المشار إليها، أن هناك فراغًا في المناطق التي انتقلت منها طالبان عندما بدات بالاستيلاء على المدن، والتحول مجددًا، من حركة إلى دولة.

 

إلى ذلك كله، فإن طالبان ستجد نفسها في صراعات حقوقية مع الطبقات والقوى الشعبية، بعد أن باتت القضايا التشريعية والدستورية، جزءًا من الحياة السياسية الأفغانية، بحيث أن تجاهل الحركة لتلك الحقوق، حتى بذريعة التفسيرات الدينية، سيجرّ عليها خصومات في الداخل، وعزلة في الخارج.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة