سكاي برس/ بغداد
بقلم: د. خليل الربيعي
لا يمكن الحديث عن طبيعة الصراع بين العراق والكيان الصهيوني من زاوية آنية أو أمنية محدودة، فالمعادلة تتجاوز الحسابات العسكرية الضيقة إلى مستوى وجودي، تتقاطع فيه الجغرافيا مع العقيدة، والتاريخ مع المصير. هذه الحقيقة يغفلها أو يتغافل عنها البعض حين يحاول اختزال الموقف العراقي في صراع فصائل أو أجندات إيرانية، بينما الحقيقة أن العراق، ككيان وشعب وأرض، يقع ضمن المشروع الصهيوني الأوسع المعروف بـ”إسرائيل الكبرى”، وهو ما يجعل من المواجهة مع الكيان صراعًا وجوديًا لا جدال فيه.
المشكلة: عراق هش في مرمى نيران مشروع صهيوني لا يرحم
رغم اشتراك العراق وإيران في الموقف العقائدي من الكيان الصهيوني، إلا أن المعطيات على الأرض تشير إلى أن العراق يواجه تحديات أكثر تعقيداً:
1. انقسام داخلي في الموقف الشعبي: لا يوجد إجماع وطني حقيقي في الموقف من الكيان الصهيوني، فبينما هناك من يقف بثبات ضد التطبيع، نرى أطرافاً سياسية ومدنية انخرطت في مشاريع حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، أو وفرت غطاءً لنشاط الموساد في بعض المدن العراقية. وتجد هذه الأطراف سنداً دولياً تحت شعارات زائفة مثل التنمية والمواطنة و”الحوار الحضاري”.
2. هشاشة القوة القتالية: العراق يفتقر إلى منظومات ردع متطورة، وطيرانه الحربي لا يُقارن بأي حال من الأحوال بالقوة الجوية الصهيونية. الأجواء العراقية مفتوحة أمام أي اختراق دون رادع، وهذا في حد ذاته تهديد للأمن القومي.
3. تفشي ظاهرة العملاء: بات من المعتاد أن تتكشف خيوط العمالة عبر تصريحات إعلامية أو دعوات سياسية ظاهرها “الحياد” وباطنها خيانة وطنية. العراق مخترق استخبارياً بشكل فاضح، سواء من الموساد أو عبر التعاون الأميركي-العراقي الذي يُحتمل أن يكون جسراً لتسريب معلومات حساسة إلى تل أبيب.
4. هشاشة الوضع الأمني وتكرار سيناريو 2014: العراق لا يزال عرضة لإعادة إنتاج السيناريو الدموي الذي شهده في اجتياح “داعش”. أي صراع قادم مع الكيان الصهيوني يمكن أن يُستغل لإشعال الداخل من جديد.
5. المؤامرة الداخلية والخارجية: المؤسف أن من بين العراقيين أنفسهم مَن ينخرط في مخططات تستهدف استقرار البلاد، مستغلين الغطاء الذي توفره “المعارضة” بدعم خارجي.
6. ضعف في الاقتصاد والمناعة السيبرانية: العراق مستهلك بامتياز. اقتصاده الريعي يجعله هشاً أمام أي هجمة اقتصادية أو تكنولوجية. وهذه الثغرة يمكن أن تُستغل في معركة “الضغوط القصوى” التي يتقنها الكيان الصهيوني وحلفاؤه.
7. عزلة إقليمية نسبية: لا تزال بعض العواصم العربية تنظر إلى العراق بريبة سياسية وعقائدية، وترفض عودته كلاعب مؤثر في معادلات المنطقة.
8. ضعف التحالفات الدولية: العراق يفتقر إلى شبكة علاقات قوية ومتينة مع القوى العالمية، ما يجعله مكشوفًا دبلوماسيًا عند أي أزمة.
9. ذريعة تقليم أظافر إيران: الكيان الصهيوني يبرر أي عدوان محتمل على العراق بأنه استهداف للنفوذ الإيراني. هذا التداخل في الخطاب الأميركي والصهيوني، والخلط المتعمد بين الحشد والفصائل، يضع العراق أمام تهديد مباشر.
الحل: إعادة صياغة العراق كدولة مقاومة
رغم كل ما سبق، لا يزال في الأفق بصيص أمل يمكن البناء عليه، إذا ما أُحسن استثماره:
1. المرجعية الدينية كقوة تعبئة وطنية: تمتلك المرجعية في النجف الأشرف القدرة على تحريك الشارع وتوحيده خلف قضية مركزية كقضية فلسطين، شرط وضوح الرؤية السياسية وتنسيق الخطاب مع المؤسسات الرسمية.
2. الحشد الشعبي كقوة دفاع وطني: رغم ما يُثار حوله، يظل الحشد الشعبي نواة صلبة للدفاع عن الدولة، ويمكن تطويره كمؤسسة وطنية ذات عقيدة قتالية واضحة ضد المشروع الصهيوني.
3. استغلال ورقة النفط والإعمار: يمكن للعراق أن يُفاوض الدول الإقليمية والعالمية من موقع اقتصادي لا يُستهان به، إذا ما تم إدارة ملف الطاقة والعقود الاستثمارية بذكاء.
4. رأي عام شعبي مساند من الشعوب الحرة: الرأي العام العربي، رغم تشتته، لا يزال يحتفظ بجذوة العداء للكيان، ويمكن للعراق كسب هذا التأييد إذا ما أدار ملف القضية الفلسطينية بواقعية وشجاعة. خارطة الطريق:
1. ربط الأمن الوطني بمجلس سيادي: لا بد من تأسيس مجلس وطني أعلى للأمن يضم ممثلين عن الإقليم والمحافظات، يضع السياسة الأمنية بعيداً عن التجاذبات الحزبية.
2. تجريم العمالة وملاحقتها دون هوادة.
3. بناء جيش عقائدي وطني حديث، مزود بأسلحة متطورة وطيران ردع فعال.
4. صناعة محلية للأسلحة الصاروخية بالتعاون مع إيران والخبرات الروسية.
5. شراء منظومة S-400 الروسية وتنويع مصادر الدفاع الجوي.
6. قمع الخطاب الطائفي والقومي عبر خطاب إعلامي وطني جامع، يضع الكيان الصهيوني كعدو أول وأخطر.
7. إعادة هيكلة الحشد الشعبي وضبط معاييره وتفعيل علاقته بالمجتمع.
8. التحالف الأمني مع الصين وقوى كبرى مؤثرة في القرار الدولي.
9. شراكة أمنية إقليمية مع مصر والسعودية وتركيا وإيران لضمان عمق استراتيجي واسع.
10. تفعيل الدفاع السيبراني عبر بناء مؤسسات وطنية متخصصة ومدربة.
11. تأسيس منظومة إنذار مبكر تعتمد على التعاون مع دول كروسيا والصين.
12. بناء علاقات نوعية مع دول مؤثرة في التوازن الإقليمي كقطر وعمان في المحصلة، فإن صمت العراق تجاه مشروع الكيان الصهيوني لن يُقرأ إلا على أنه قبول ضمني. لا حياد في صراع وجودي، ولا مجال للرمادية في مواجهة كيان لا يعترف إلا بمنطق القوة.
العراق لا يحتاج إلى إعلان الحرب، لكنه بحاجة إلى إعلان السيادة. والسيادة تبدأ من داخل الحدود، لكنها لا تكتمل إلا بوعي بالخطر القادم من وراءهاغ