سكاي برس/ بغداد
يأتي أسبوع نزع السلاح الذي تحتفي به الأمم المتحدة كل خمس سنوات، بينما عشرات النزاعات المسلحة قائمة حول العالم، بعضها يتخذ شكل الحرب الباردة، وآخر تجده في العناوين الرئيسة اليومية للأخبار في الوكالات العالمية.
ولا يتوقف عدّاد ضحايا هذه النزاعات، التي يتسم بعضها بالتصعيد المستمر منذ شهور وسنوات (إسرائيل وحماس، لبنان، السودان، أوكرانيا) وآخر يسودها هدوء نسبي، لكنه لا يلغي وجودها، حيث لم يتوصل المتصارعون لحل أو يتم إعلان الحرب (سوريا، اليمن، تركيا وحزب العمال الكردستاني، إثيوبيا، ميانمار)، وغيرها. وتهدف الأمم المتحدة من وراء هذا الأسبوع الذي يصادف ذكرى تأسيسها، وبدأ في 24 أكتوبر الجاري، إلى تحسين الفهم بقضايا نزع السلاح وأهميتها الشاملة.
وقالت في بيان بخصوص المناسبة، إن الغايات المنشودة من نزع السلاح "صون السلم والأمن الدوليين، ودعم مبادئ الإنسانية، وحماية المدنيين، وتعزيز التنمية المستدامة، وتعزيز الثقة بين الدول، ومنع النزاعات المسلحة وإنهائها". كما تساعد تدابير نزع السلاح والحد من التسلح في ضمان الأمن الدولي والإنساني في القرن الحادي والعشرين، وفق الأمم المتحدة التي ترى في أسلحة الدمار الشامل، لا سيما الأسلحة النووية، وهي مصدر قلق رئيسي نظرا لقوتها التدميرية ولتهديدها للبشرية جمعاء".
وتابعت: "يهدد التراكم المفرط للأسلحة التقليدية والاتجار غير المشروع بها السلم والأمن الدوليين والتنمية المستدامة، في حين يهدد استخدام الأسلحة التقليدية الثقيلة في المناطق المأهولة، المدنيين. وتهدد تقنيات الأسلحة الجديدة والناشئة، الأمن العالمي". وفي بيان آخر، أكدت الأمم المتحدة أن الجهود العالمية لتنظيم أو تقييد أو إزالة أسلحة معينة، تكللت بوضع معاهدات عديدة وصكوك متعددة الأطراف هامة، مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ومعاهدة حظر الأسلحة النووية، واتفاقية الأسلحة البيولوجية والكيماو0ية، واتفاقية مكافحة الألغام الأرضية المضادة للأفراد، واتفاقية الذخائر العنقودية، والاتفاقية الخاصة بأسلحة تقليدية معينة ومعاهدة تجارة الأسلحة.
وبالنظر إلى الأرقام الخاصة بالإنتاج العسكري وتصدير السلاح، تتربع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، التي تتمتع كذلك بحق النقض الفيتو، على عرش الصناعات العسكرية، كما أن لها دوراً بارزاً في مختلف الصراعات القائمة حالياً حول العالم.
الدول الأكثر تصديرا واستيراداً للسلاح
بحسب أحدث بيانات إحصائية نشرها معهد ستوكهولوم لدراسات السلام (سبيري)، ضمن "الكتاب السنوي 2024" غطت الفترة الزمنية (2019-2023)، فإن هذه هي الدول العشر الأكثر تصديراً للأسلحة حول العالم.
والرقم المرافق لكل دولة هو النسبة المئوية لحصتها من صادرات الأسلحة: (الولايات المتحدة 42%، فرنسا 11%، روسيا 11%، الصين.. 5.8%، ألمانيا.. 5.6%، إيطاليا 4.3، المملكة المتحدة 3.7%، إسبانيا 2.7%، إسرائيل 2.4%، كوريا الجنوبية 2%) وسلط تقرير آخر للمعهد السويدي، صدر في 3 أكتوبر الجاري، الضوء على طبيعة الدعم العسكري الذي تتلقاه إسرائيل منذ بداية حربها في قطاع غزة ضد فصائل فلسطينية مسلحة أبرزها حركة حماس، التي توسعت على جبهات عدة أشدها في الضفة الغربية، ولبنان (منذ أواخر سبتمبر الماضي)، وتجري على نحو أهدأ في اليمن وسوريا (مناطق النظام) والعراق وإيران.
وأكثر الدول دعماً لإسرائيل في المجال العسكري بحسب التقرير، الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا، بينما تقدم أكثر من 10 دول دعما عسكرياً بشكل أقل، أبرزها فرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا. وأفاد بأن إسرائيل زادت كثيرا من واردات السلاح خلال العقد الأخير، وفي فترة الـ5 سنوات (2019- 2023) كانت إسرائيل في المرتبة 15 كأكبر مستورد للأسلحة الرئيسة في العالم، مما يمثل 2.1% من واردات الأسلحة العالمية في هذه الفترة، بفارق كبير عن فترة (2009- 2013) حين كانت في المرتبة 47.
جدول بياني لمعهد "سبيري" ضمن "الكتاب السنوي 2024"
أما الدول الأكثر استيراداً للأسلحة، وفق المعهد نفسه، فهي كالآتي: (الهند 9.8%، السعودية 8.4%، قطر 7.6%، أوكرانيا 4.9%، باكستان 4.3%، اليابان 4.1%، مصر 4%، أستراليا 3.7%، كوريا الجنوبية 3.1%، الصين 2.9%).
الذكاء الاصطناعي.. هل يهدد نزع السلاح؟
ضمن فعاليات أسبوع نزع السلاح، حذرت الممثلة السامية لشؤون نزع السلاح في الأمم المتحدة، إيزومي ناكاميتسو، الجمعة الماضي خلال كلمة لها، من التنامي المتسارع للتكنولوجيا وربطه بالأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية على حد سواء. وطالبت الجهات المعنية بمتابعة التطورات والحرص على عدم استغلاها لصالح تطوير أسلحة أو زيادة خطرها أو ترك القرار لغير البشر في مسائل بالغة الخطورة مثل استخدامات السلاح النووي، وفي الوقت نفسه أن يتم استغلال التطور التكنولوجي بشكل يسهم في تدعيم إجراءات نزع السلاح.
وقالت ناكاميتسو إن الحاجة ملحّة اليوم لتعديل نظام نزع السلاح النووي ونظام عدم الانتشار والسيطرة على الأسلحة، كي تتماشى مع البيئة الأمنية المتطورة والمتغيرة باستمرار، والبدء بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وأكدت "يجب أن يكون البشر دائما في موقع السيطرة والمسؤولية عن أي قرار متعلق باستخدام السلحة النووية"، مستدركة "بالطبع نأمل ألا يحدث ذلك أبداً" لكن هناك حاجة لوضع حواجز "تحمي من الكوارث".
الوكالة الدولية للطاقة الذرية: دخلت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية حيز التنفيذ مارس 1970، وتم تمديدها في مايو 1995 لأجل غير مسمى. وقعت عليها أكثر من 191 دولة. التزمت بموجبها الدول غير الحائزة لأسلحة نووية بعدم تصنيعها، أو اقتنائها أو اقتناء أجهزة تفجيرية نووية أخرى، في حين التزمت الدول الحائزة لأسلحة نووية (عددها 5) بعدم مساعدة أو تشجيع أو حث أي دولة طرف في المعاهدة غير حائزة لأسلحة نووية بأيِّ حال من الأحوال على تصنيعها أو القيام باقتناء أسلحة نووية أو أجهزة تفجيرية نووية أخرى.
وعلى العكس من الدور الخطير الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيا المتطورة في ربطها بالأسلحة النووية، قالت المسؤولة الأممية إن هناك فرصة أمام العالم للاستفادة من الإمكانات الهائلة للتكنولوجيا من أجل دعم نزع السلاح وعدم الانتشار النووي، من خلال تعزيز التدابير لحماية المواد النووية والمساعدة في التحقق من إجراءات نزع السلاح النووي والكشف عن أي تجارب نووية ومنع سوء الحسابات. وبخصوص الأسلحة البيولوجية، قالت ناكاميتسو "يمكن أن تخفض تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وكريسبر والبيولوجيا التركيبية، الحواجز أمام تطوير الأسلحة، ويمكن أن تخل الحدود بين التطبيقات السلمية والعسكرية" محذرةّ من أن سهولة الوصول إليها واستخدامها المتزايد يزيد من مخاطرها.
وشرحت: "قد تزيد الابتكارات في التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي من صعوبة التمييز بين برامج الأسلحة البيولوجية الهجومية وبرامج الدفاع البيولوجي المشروعة، بسبب اعتماد كليهما على نفس العوامل والمواد البيولوجية والتقنيات. وقد أدت الزيادات الأخيرة في المعلومات المضللة وانعدام الثقة إلى تفاقم هذه المشاكل، بالتالي تزايد الاتهامات بارتكاب انتهاكات لاتفاقية الأسلحة البيولوجية".
وأضافت ناكاميستو أن الأمر سيّان مع الأسلحة الكيماوية؛ إذ أثارت التطورات في الذكاء الاصطناعي مخاوف من أن هذه التكنولوجيا قد تستخدم بأسلحة كيماوية جديدة ذات تأثير أكبر من عوامل الحرب الكيماوية المعروفة.
وقالت إن الذكاء الاصطناعي "قادر بالفعل على توليد صيغ كيماوية لمواد كيماوية سامة جديدة وخطيرة"، لذلك شددت ناكاميستو على أن تواصل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقييم تأثير وإمكانية تنفيذ التقنيات الجديدة.
هل نزع السلاح أمر ممكن؟
هذا السؤال يحمل الجواب في باطنه تقريباً، إذ تدلّنا على باختصار نشرات الأخبار الدامية، رغم قرارات أممية تتعلق بوقف إطلاق النار واللجوء للحل السلمي في مختلف الصراعات الحالية ومنها في الشرق الأوسط (الأراضي الفلسطينية، لبنان، السودان)، وسط دعوات منظمات دولية إلى وقف النزاعات المسلحة من أجل الحد من سقوط المدنيين الذين يدفعون الثمن الأكبر لها.
وبحسب بيانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية، وتقارير دولية أخرى، فإن نزع السلاح يواجه الكثير من الصعوبات التي تجعله أمراً غير ممكن على الأقل في الوقت الراهن، وذلك لأسباب عدة.
من هذه الأسباب:
-أغلب الدول تعتبر التسلّح الوسيلة الرئيسية للحفاظ على أمنها الوطني، حيال أي تهديد محتمل.
-الكثير من الدول تخشى أن يؤدي نزعها للسلاح إلى تغيّر في موازين القوى، يجعلها عرضة للهطر والتهديد من دول أخرى لم تنزع سلاحها.
-انعدام الثقة بالدول والتحالفات الأخرى، مما يجعل أغلب الدول تتمسك بترسانتها العسكرية، وتحديثها واستعراضها في المناسبات الوطنية بين حين وآخر، كوسيلة من وسائل الردع.
-ظهور أسلحة وتقنيات جديدة، تتعلق بالأمن السيبراني وترتبط بالذكاء الاصطناعي وأخرى على هيئة روبوتات مقاتلة ومدمرة، يعقّد من مسألة نزع السلاح بسبب غياب الأطر القانونية وعدم تحديث بعض المعاهدات الدولية الخاصة بتنظيم التسلّح والأنواع المستخدمة في الحروب، بالشكل الذي يوائم هذا التطور.
-غياب آليات التحقق من نزع السلاح وغياب الشفافية في بيانات العديد من الدول حول أسلحتها، وبعضها يرفض التعاون بشكل مطلق مع منظمات الأمم المتحدة.
-بعض الدول تحتفظ بالأسلحة النووية كوسيلة رئيسة للردع، ومع تزايد الصراعات، يصبح نزعها أكثر تعقيداً.
-تقاوم الكثير من الدول مسألة نزع السلاح لما تحققه لها هذه الصناعة من أرباح هائلة بسبب تصدير وبيع منتجاتها، كما يشكل أصحاب الشركات العسكرية مجموعات ضغط سياسية تعيق أي تحرك رسمي نحو تنفيذ قرارات نزع السلاح