هادي جلو مرعي
لاأدري إن كان المعنى مطابقا للعنوان في قول المتنبي
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
أراقب سلوك بعض المتوهمين إن التعالي يرفعهم وهم صغار في حقيقتهم، فيتصرفون بإستعلاء متناه، وينعزلون عن من هم أفضل وأرفع منزلة منهم لعلهم أن يحظوا ببعض الإنتباه، وواحدهم حين يتكلم يرفع الحروف ويخفضها ويرميها في الهواء، ثم يشفطها، وتراه يقولها كأنه يقرصها، وأمثال هولاء من التافهين كثر خاصة في زمن الفوضى التي ترفع شأن الجبان والتافه والحرامي، وتكون لهم الحظوة بين الناس، ويعتمد أمثال هولاء على تفاهة العقل الجمعي للمجتمع، فترى الناس وتسمعهم يشتمون الحرامي والقاتل والمتجبر، ولكنهم يتغيرون حين يواجهونه، فإذا دخل عليهم محفلا عاما، أو في مناسبة دينية، أو سياسية، أو في مجلس عزاء تنادوا مصبحين يتراكضون، ويقفون كأنهم تخطفهم الطير، وقد يصطدمون ببعض لفرط السكر والدهشة من زيارته المفاجئة، ويقدمون له كل الترحاب والكلمات المعسولة، وحين يمضي يتباهون أنهم إلتقطوا معه الصور، أو تكلموا إليه أحصلوا منه على موعد للقاء قريب.
لهذا فالصغار لايعرفون التواضع، ولايفهمونه، لأنهم يمثلون التكبر، والتكبر لايرفع صاحبه، بل يحط من شأنه وقيمته، فهو يتوهم رفعة المكانة، ولكنه في الحقيقة لاوجود له، لأنه ظهر بصورة من يدعي شيئا ليس فيه، وكمن يقرض الشعر، وهو لايعرف الأوزان، أو يحاول أن يكون صحفيا وهو حمار، أو يريد أن يشتغل في السياسة، وهو لايفقه منها شيئا، وهو مايعانيه العراق الذي يعاني الخراب بسبب أبنائه حين دخلوا في دوائر ليست لهم، ولامن شأنهم طمعا بمنزلة ومكانة ومال وجاه وسلطان، فصار كثر يريدون أن يكونوا سياسيين وقادة للبلد، ولكنهم تاهوا وتيهوه معه، ويريدون ، يكونوا سادة وينتسبون الى الأسر رفيعة المنزلة، ويريدون أن يكونوا كتابا وصحفيين ونجوما في التلفزيون، ويريدون أن يكونوا أطباء ومهندسين ونوابا في البرلمان ومدراءا عامين وأصحاب مناصب ومراتب عليا وضباطا في الجيش والشرطة ومقاولين وتجارا وأصحاب شركات ووزراء.
سباق المسافات الطويلة يغري الناس ليشاركوا فيه طمعا في الوصول الى النهاية التي يأملون أن يجدوا عندها صندوق العجائب ليفتحوه، ويجدوا أوراقا مكتوبة فيها أسماؤهم، فهذا نائب، وهذا وزير، وذاك صحفي، والآخر مستشار ووكيل، وكل يغني على ليلاه، بينما البلد يضيع بين أطماع الجوار، وعنجهية الكبار، ولاأمل في الخلاص من الوهدة التي وجد العراقيون أنفسهم فيها، وفوق كل ذلك يزداد عدد الصغار المتعجرفين الذين يرون في أنفسهم أفيالا، وهم فئران مذعورة، متجاهلين إن الكبر كبر النفس والعقل والوجدان، وليس بالنظرة والطفرة واللباس والمكتب الفاخر والسيارة، فكلها لاتجعل من الحمار غزالا، ولامن العنز نسرا.
- الصفحة الرئيسية
- مقالات
- الصغار لايتواضعون
الصغار لايتواضعون
مقالات الأربعاء 19 حزيران 2019 الساعة 11:28 صباحاً (عدد المشاهدات 1461)أخبار ذات صلة
الأكثر قراءة
- "وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا" هل تغاضت المجتمعات عن قول الله .. وهل اصبح رمضان شهر الاسراف والتبذير؟!! 02:59 مساءً
- منها "المشاركة في انتخابات مبكرة".. خطوات جديدة للصدر وربما انطلاقة لمشروع صدري جديد! 01:43 مساءً
- لـــ "تطوير ميناء الفاو الكبير" .. ابو ظبي توقع اتفاقية مع العراق 12:47 مساءً
- "حدثين فلكيين نادرين" .. ستشهده الكرة الارضية خلال رمضان الحالي ! 02:03 مساءً
- إهتمام خليجي متزايد لـــ "الاستثمار في العراق" .. وخطوات لإستضافة زعماء دول الخليج في ريكسوس الفاخر! 12:31 مساءً
- هل سيتم حظر الـــ"تيك توك" في العراق بعد مطالبات رسمية بحجبه ؟! 01:52 مساءً
- أٌدين وحكم بـــ "الاعدام" .. محكمة عراقية تبرئ قاتل الهاشمي ! 02:02 مساءً
- رسالة لــ بايدن تثير التفاعل بعد مهاجمة "السوداني" من قبل ثمانية مشرعين بالكونغرس الامريكي!! 12:54 مساءً
- هل الكشف عن شبكة الابتزاز داخل المؤسسة الامنية سيقلل ثقة المجتمع العراقي؟!! 01:09 مساءً
- قرار الحزب الديمقراطي بعدم المشاركة في الانتخابات تنذر بــ "أزمة مركبة"!! 12:41 مساءً