سكاي برس/ بغداد
بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على شغور منصب رئاسة برلمان العراق، ما زالت التفاهمات غائبة بين القوى والأحزاب السياسية لحسم انتخاب رئيس جديد لخلافة محمد الحلبوسي، وسط تأكيد مراقبين عدم وجود جدية لإنهاء الأزمة المتواصلة، مما دفع إلى استمرار محسن المندلاوي، رئيساً للبرلمان بالوكالة إلى نهاية الدورة البرلمانية الحالية (الخامسة) المقررة نهاية العام المقبل.
وقررت المحكمة الاتحادية العليا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إنهاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وإقالته من رئاسة البرلمان، على خلفية إدانته بتزوير محاضر رسمية، ومنذ ذلك الوقت، اندلعت خلافات بين القوى السياسية المختلفة بشأن اختيار بديل للحلبوسي. وعلى مدار الأشهر العشرة الماضية، أخفق برلمان العراق خمس مرات تباعاً في حسم الملف، وظل الانقسام حاداً بين الأطراف السياسية في دعم أحد المرشحين للمنصب، وهما محمود المشهداني مرشح حزب تقدم، وسالم العيساوي مرشح "السيادة"، والذي حصل على أغلبية الأصوات خلال جلسة البرلمان العراقي في 18 مايو/أيار الماضي.
ودرجت العملية السياسية في العراق على أن يكون رئيس البرلمان من العرب السنّة، بينما منصب رئيس الجمهورية وهو منصب تشريفي من دون صلاحيات تنفيذية للأكراد، ورئاسة الحكومة للعرب الشيعة.
نهال الشمري: عدم حسم الملف من قبل حزب تقدم، الذي يترأسه الحلبوسي، هو أمر متعمَّد
جلسة 18 مايو
وشهدت جلسة انتخاب رئيس البرلمان العراقي الجديد، التي عُقدت في 18 مايو الماضي، عراكاً بالأيدي، وأصيب أحد النواب بجرح في رأسه من جراء مشاجرة بين نائبين ينتمي كل واحد منهما إلى حزب يُنافس الآخر للظفر بالمنصب، فضلاً عن شتائم وسباب بين نواب ومحسن المندلاوي، الذي يتولى إدارة رئاسة البرلمان بالوكالة منذ عشرة أشهر، الأمر الذي أفضى إلى تدخّل قوات الأمن لفضّ الشجار، ومغادرة معظم النواب ورؤساء الكتل السياسية قاعة البرلمان، وتأجيل فقرة انتخاب الرئيس حتى إشعار آخر.
وقال النائب عن "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق مختار الموسوي، إنه "على الرغم من مرور أكثر من عشرة أشهر على خلوّ منصب رئيس البرلمان، فالخلافات حتى الآن مستمرة ومتواصلة على اختيار شخصية واحدة لهذا المنصب من قبل الأطراف السياسية السنّية، التي تتحمل هذا التأخير بسبب الصراع في ما بينها".
وأوضح الموسوي أن "الإطار التنسيقي يعاني هو الآخر من انقسام في قضية دعم المرشحين لرئاسة البرلمان، ولهذا يريد من القوى السياسية السنّية تقديم مرشح واحد يمثلها حتى يتم دعمه من دون انقسام، لكن هناك صعوبة في حصول هذا الاتفاق على الرغم من كل الحوارات والمفاوضات والوساطات التي جرت طيلة الأشهر العشرة الماضية".
وأضاف النائب عن "الإطار التنسيقي" أن "الحوارات خلال الفترة القليلة الماضية كانت متوقفة بسبب عدم وجود تفاهمات أو نيّة حقيقية لحسم الملف من قبل الأطراف السياسية السنّية، لكن الحوارات خلال اليومين الماضيين بدأت تعود إلى الأروقة السياسية، بدون مؤشرات على تفاهمات حول الأزمة بين القوى السياسية".
من جهتها، أكدت نهال الشمري النائبة عن تحالف "العزم"، إحدى القوى العربية السنّية، استمرار ما وصفته "غياب التفاهم بين القوى السياسية حول أزمة رئيس البرلمان الجديد"، متهمة أطرافاً لم تسمها داخل "الإطار التنسيقي" بـ"تعمُّدها عدم حسم هذا الملف، من أجل الإبقاء على محسن المندلاوي رئيساً للبرلمان حتى نهاية الدورة البرلمانية".
عصام الفيلي: هناك أطراف شيعية وسنّية تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه
وأضافت الشمري أن "عدم حسم الملف من قبل حزب تقدم، الذي يترأسه الحلبوسي، هو أمر متعمَّد، فهو يريد بقاء المنصب شاغراً حتى نهاية الدورة البرلمانية، خشية بروز شخصية سنّية جديدة تتصدى بدلاً عنه وتعمل على تقويض نفوذه السياسي، فهو لا يريد حتى أن يكون أحد أعضاء حزبه بهذا المنصب".
وأوضحت أن "الإطار التنسيقي هو الذي يتحمّل المسؤولية الكاملة عن تأخير حسم انتخاب رئيس البرلمان، فهناك مرشحان اثنان لهذا المنصب، وعليه احترام هذه الترشيحات والذهاب نحو عقد جلسة انتخاب وترك الخيار للنواب، وعدم عرقلة انتخاب رئيس البرلمان بسبب مجاملات وصفقات سياسية".
ومرّ أكثر من عشرة أشهر على إنهاء عضوية الحلبوسي وما زالت الخلافات قائمة على اختيار بديل له بين القوى السياسية في العراق على الرغم من كل الوساطات التي أطلقتها أطراف سياسية مختلفة داخل البيت السياسي السنّي، ومن قبل أطراف ضمن تحالف الإطار التنسيقي، وآخرها وساطة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.
الانقسام السياسي في العراق
وعن ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية، عصام الفيلي، إن "ملف انتخاب رئيس البرلمان صعب حسمه في ظل الانقسام السنّي ـ السنّي وكذلك الشيعي ـ الشيعي، فالانقسام كبير والصراع محتدم لمرحلة خطيرة، ولهذا طيلة الأشهر العشرة الماضية، كانت كل الحلول غائبة عن المشهد، وما زالت التفاهمات غائبة".
واعتبر الفيلي أن "هناك أطرافاً سياسية شيعية وكذلك سنّية أيضاً تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه حالياً، بعدم انتخاب أي رئيس لمجلس النواب، كما أن هذه الأطراف تريد بقاء المندلاوي، خصوصاً أن لديها مشاريع قوانين تريد تمريرها عبر رئاسة المجلس الحالية، لعدم وجود معارضة لها كون الأغلبية النيابية بيد الإطار التنسيقي والرئاسة الآن أصبحت بيده عبر المندلاوي".
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن "أزمة رئاسة مجلس النواب خلقت مشاكل سياسية بين أطراف الإطار التنسيقي نفسها، فهي تشهد خلافاً وانقساماً في قضية دعم أي من المرشحين، كذلك زادت الخلاف ما بين الأطراف السياسية السنّية، وربما هذه الصراعات سوف تزداد حدتها مع قرب الانتخابات البرلمانية المقبلة، خصوصاً أن بقاء رئاسة البرلمان بعيدة عن المكون السنّي سوف يخلق مشاكل مجتمعية داخلية لا سياسية فقط".