Skip to main content

المجمعات السكنية في العراق.. استحواذ سياسي وغسيل أموال أم حل للأزمة السكن؟

تقاريـر الجمعة 13 أيلول 2024 الساعة 23:23 مساءً (عدد المشاهدات 596)

سكاي برس/ بغداد

تشهد العاصمة العراقية بغداد، في الفترة الحالية، انفجاراً سكانياً لم تشهد له مثيلاً من قبل. فبحسب آخر إحصائية رسمية أجريت في هذا الصدد، عام 2018، وصل عدد السكان إلى 8 ملايين نسمة، فيما يُقدَّر حالياً، بحسب تقارير عدّة، بنحو 10 ملايين نسمة، وبنسبة زيادة تتجاوز 2.6% سنوياً، وسط توقعات بتجاوز هذه النسبة حاجز الـ100% خلال الـ25 سنةً القادمة.

لا ترجع هذه الزيادة إلى تصاعد أعداد المواليد الجدد فحسب، ولكن أيضاً إلى نزوح مواطني المحافظات الأخرى إلى بغداد، بغرض العمل بشكل أساسي.

هذه الزيادة، تسببت في خلل كبير في البنية التحتية للمدينة، تمثّل في عدم القدرة على استيعاب الأعداد السكانية المتصاعدة، وعجز الحكومة عن توفير الخدمات والمتطلبات السكنية. وأفرزت الأزمة السكنية بدورها أكثر من 5،000 تجمّع عشوائي في مختلف المحافظات، بينها نحو 1،000 في بغداد وحدها.

مجمّعات سكنية

انتشرت ظاهرة المجمّعات السكنية في بغداد بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، والسبب المعلَن لتمددها غير المحدود يرجع إلى أزمة السكن الحادة التي يعاني منها البلد.

فبحسب تصريحات صحافية لوزارة الإعمار والإسكان، يحتاج العراق إلى 3 ملايين وحدة سكنية من أجل حلّ الأزمة السكانية. ووصلت نسبة العجز السكني في بغداد وحدها، إلى 31%، والجدير ذكره هنا أن الحكومة سبق أن كشفت في عام 2017، عن حاجة العراق إلى 3 ملايين وحدة سكنية أيضاً، وهذه إشارة إلى عدم جدوى الحلول المطروحة على الطاولة.

في ظل هذه التصريحات، تبدو المجمعات وكأنها الخيار الأمثل لعلاج الأزمة السكانية، وتزيد من مثاليتها تلك الإعلانات المنتشرة في جميع شوارع العاصمة، بالإضافة إلى منصات التواصل والإعلام.

يفتقر العراق إلى قوانين التنظيم العقاري، التي تحدد نسبة الزيادة السنوية للإيجارات وعمليات البيع. وبسبب غياب مثل هذه القوانين، فإن الجشع المالي يقتحم بسهولة سوق العقارات، ومنها المجمعات السكنية، التي تحوّلت من مشاريع لعلاج أزمة السكن إلى مخازن استثمارية، تضع الطبقات العليا فائضها المالي فيها للحفاظ على قيمة أموالها السوقية ويُقسم البناء الحاصل في المجمعات السكنية إلى قسمين؛ الأول يمثّله البناء العمودي وبناء العمارات والشقق السكنية، فيما يمثل البناء الأفقي مثل المنازل والفلل، القسم الثاني.

ويقسم هذان القسمان إلى أقسام عدة أخرى؛ المجمعات الفارهة، وتتمركز غالباً في المناطق الحيوية داخل المُدن، وتباع بأسعار باهظة، فيما تتمركز المجمعات الاقتصادية على أطراف المُدن الخارجية، وتباع بأسعار أقلّ من الأولى، وبرز مؤخراً قسم آخر، يتوسط هذين القسمين، تُمثّله تلك المجمعات المقامة على الأطراف الداخلية للمُدن.

وتتميز هذه المجمعات جميعها، باستحداث الطاقة الكهربائية والمياه والمجاري بنسبة 100%، وتكون هذه الخدمات متوافرةً لقاء بدل شهري محدد مسبقاً، يدفعه المشتري. وبحسب وجهة النظر الحكومية المعلنة، فإن هذه المجمعات تُخفف من الاختناق السكني الحاصل في مركز العاصمة، وبذلك تقدّم تسهيلات كثيرةً إلى المستثمرين في قطاع المجمعات السكنية.

تسهيلات حكومية

وصل عدد المجمعات السكنية في بغداد إلى 46 مجمعاً، تفتقر غالبيتها إلى التخطيط السليم وهي مُقامة بشكل يزيدها بعداً عن حل أزمة السكن أو معالجة العشوائيات، برغم تمركزها على أراضي الدولة المخصصة للاستثمار، والتي تُمنح للمستثمر بأسعار رمزية وشبه مجانية، وفقاً لقانون الاستثمار العراقي رقم 13 لعام 2006.

في الحقيقة، يفتح القانون الحالي المجال لاستغلال مواد محددة تعطي الكثير من الميزات والتسهيلات للمستثمرين، إذ تنص المادة العاشرة منه على منحهم التسهيلات والاستثناءات في المجمعات السكنية، مثل حقّ تملكهم أراضي الدولة، واستثنائهم من أحكام قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 32 لعام 1986، أو أي قانون يحلّ محله.

كما نصت المادة 15 منه، على أنه "يتمتع المشروع الحاصل على إجازة الاستثمار من الهيئة، بالإعفاء من الضرائب والرسوم لمدة عشر سنوات من تاريخ بدء التشغيل، وهي قابلة للتمديد 15 عاماً إذا كانت نسبة الاستثمار العراقي 50%". كما يُمنح المستثمر تخفيضات على أسعار المواد الإنشائية والبنائية. وبرغم ذلك كله، فإن أسعار الوحدة السكنية داخل هذه المجمعات تفوق بنحو 10 أضعاف قيمة العقار الفعلية.

إذ يشترط المستثمرون دفع مقدّم مالي عند شراء هذه الوحدات، قد يصل إلى نصف قيمة المبلغ الكلي، وتسديد الباقي على دفعات أخرى، أو أقساط شهرية لا تقلّ عن 450 دولاراً أمريكياً، ولمدة 20 أو 25 سنةً.

قيمة هذه الوحدات، تُقاس بالمتر المربع، ويصل سعر المتر الواحد في المناطق النائية، كما في مجمع منطقة الزعفرانية، إلى 1،000 دولار، فيما يتراوح سعر الشقة السكنية ذات الـ160 متراً في وسط العاصمة، بين 300 و500 ألف دولار.

استحواذ سياسي

يفتقر العراق إلى قوانين التنظيم العقاري، التي تحدد نسبة الزيادة السنوية للإيجارات وعمليات البيع. وبسبب غياب مثل هذه القوانين، فإن الجشع المالي يقتحم بسهولة سوق العقارات، ومنها المجمعات السكنية، التي تحوّلت من مشاريع لعلاج أزمة السكن إلى مخازن استثمارية، تضع الطبقات العليا فائضها المالي فيها للحفاظ على قيمة أموالها السوقية، بحسب الباحث الاقتصادي جبار التميمي. ويضيف التميمي، في تصريحه لرصيف22، أن هذه السلوكيات ساهمت في تصاعد أسعارها، بسبب تراجع نسب العرض مقابل الطلب.

تحوم شكوك حول تورط بعض الشخصيات السياسية في حصول شركات معيّنة على أراضي الدولة وبثمن رمزي، بحجة بناء مجمعات سكنية عليها، ومنها أرض متنزه الزوراء في منطقة الحارثية في بغداد، ولكن أمانة العاصمة سبق أن نفت مثل هذه الاتهامات في مناسبات عدّة ولكن ما سبب الصمت الحكومي على هذا التصاعد؟ يؤكد مصدر غير مخوّل في الرقابة المالية لهيئة الاستثمار، أن القانون لم يحدد سقف البيع المفروض في هذه العمليات، وبسبب غياب القانون تحوّل سوق المجمعات السكنية إلى سوق للمضاربة بين المستثمرين.

هذا الجانب عزز أطماع مختلف الجهات المسؤولة، ومنها ديوان الوقف السُنّي، الذي وقع مؤخراً في مرمى الاتهام، بعد تسريبات أشارت إلى اعتزامه الاستثمار في الأرض التابعة لجامع عمر المختار، في منطقة اليرموك وسط العاصمة.

وبرغم أن الوقف السُنّي نفى تورطه في هذه المسألة، ولكن الاتهام لم يكن الأول من نوعه ضد هيئته الحالية، إذ سبق واتُّهم باعتزامه منح الأرض الخاصة بجامع أم الطبول، وهو من أبرز جوامع العاصمة، لمستثمرين لغرض بناء كلية ومجمّع سكني، وأُلغي المشروع تالياً بعد انتشار الفضيحة. شبهات الفساد تحوم حول طريقة منح إجازات الاستثمار في المجمعات السكنية، وقد اتّهم رئيس لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، حسن الخفاجي، أمانة بغداد، بعدم الالتزام بضوابط منح الإجازات لإنشاء مجمعات سكنية.

وتحوم شكوك حول تورط بعض الشخصيات السياسية في هذه العمليات، وتوسطها لحصول شركات معيّنة على أراضي الدولة وبثمن رمزي، بحجة بناء مجمعات سكنية عليها، ومنها أرض متنزه الزوراء في منطقة الحارثية في بغداد، ولكن أمانة العاصمة سبق أن نفت مثل هذه الاتهامات في مناسبات عدّة.

مافيات بزيّ سياسي

أحزاب كبرى وشخصيات سياسية من الطبقة العليا، متورطة في ملف الفساد الحاصل في المجمعات السكنية، إذ يمتلك كُثر منهم شركات استثمار خاصة، وهذه تحوز على عروض استثمارية كثيرة بسبب نفوذ أصحابها.

وتدرّ هذه الاستثمارات أموالاً ضخمةً لهم، ليس عبر الاستحواذ على عقود بناء المجمعات فحسب، ولكن نتيجةً للرشاوى المقدّمة لقاء التسهيلات التي يوفرونها للمستثمرين أيضاً. وتصل قيمة الرشوى بحسب مصدر في هيئة الاستثمار، إلى ملايين الدولارات نظير تسهيل الفوز بإحدى المناقصات الخاصة بالمجمعات السكنية، أو تكون الرشوى منحهم نسبةً مئويةً في المشروع.

كما يطلب المستثمر غالباً من السياسيين إبعاد اللجان الرقابية عنه، من أجل غضّ النظر عن جودة المواد المستخدمة في البناء، أو تلاعبه بأسعار البيع. ويضيف المصدر في تصريحه، أن الطرف السياسي يضع ممثلاً عنه داخل الشركة المنفّذة، غالباً لتسهيل الاتصال بين الطرفين، وقد يلجأ الأخير إلى المطالبة بأموال إضافية مقابل الجهد الذي يقدّمه.

هذا الجشع المالي يدفع بعض المستثمرين إلى الانسحاب، أو رفع قيمة العقار لتسديد متطلبات الفساد السياسي المستمر، وهو فساد سياسي يلبس زيّ المافيا.

مطلع العام الحالي، وجّه عضو لجنة النزاهة النيابية، أحمد طه الربيعي، أسئلةً عدة بخصوص ملف المجمعات السكنية، وتحدث عن شكوك في وجود هدر مالي شمل أكثر من تسعين مشروعاً استثمارياً سكنياً.

وبحسب الوثائق المنشورة، فإن هذه المجمعات استهدفت الكثير من أراضي الدولة الواقعة في مناطق بارزة، مثل الكرادة والمنصور والأعظمية، دون تبيان سبب منحها للمستثمر، أو تحديد آلية احتساب مدة وبدل الاستثمار في هذه المجمعات. ومثال على ذلك، في 18 آب/ أغسطس الماضي، وبناءً على طلب من هيئة الاستثمار، قرر مجلس الوزراء بحسب وثيقة مسرّبة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، إحالة مشروع تلال بغداد الاستثماري السكني، إلى شركة إمكانات التطوير التابعة ليزن، نجل النائب مشعان الجبوري، وإلغاء العقود الزراعية كافة على أرض المشروع، ومنح الشركة حق بيع الوحدات السكنية بعد وصول نسبة الإنجاز إلى 10%، كاستثناء من قرارات مجلس الوزراء السابقة، التي تلزم المستثمر بوصول نسبة الإنجاز إلى 25% قبل المباشرة في بيع الوحدات السكنية.

هيئة الاستثمار في مرمى النار

ملفات الفساد الحاصلة وصلت إلى لجنة الاستثمار النيابية، التي قدّم عضوها سعد الخزعلي، طلباً رسمياً في أيار/ مايو عام 2019، بتشكيل لجنة للتحقيق في اتهامات وملفات فساد، موجهة إلى هيئة الاستثمار ورئيسها. حركة العصائب التي ينتمي إليها النائب، عاجلت إلى استدعاء نائبها وتوجيه إنذار له بعد ثلاثة أيام من تصريحاته، بحجة مخالفته ضوابط الحركة وثوابتها.

ومن بين هذه الاتهامات الموجهة أن المجمعات السكنية مجرد واجهات لغسيل الأموال، تتورط فيها شخصيات بارزة وحكومية أيضاً عبر الشركات الاستثمارية المرتبطة بها. من بين الاتهامات أن المجمعات السكنية مجرد واجهات لغسيل الأموال، تتورط فيها شخصيات بارزة وحكومية أيضاً عبر الشركات الاستثمارية المرتبطة بها.

عمليات غسيل الأموال الحاصلة داخل هذه المجمعات ترجع إلى الأزمة المالية التي ضربت العالم خلال السنوات الماضية، ودفعت الكثير من الفاسدين إلى استرجاع أموالهم من خارج العراق، خوفاً من خسارتها في العواصف الاقتصادية العالمية عمليات غسيل الأموال الحاصلة داخل هذه المجمعات ترجع إلى الأزمة المالية التي ضربت العالم خلال السنوات الماضية، ودفعت الكثير من الفاسدين إلى استرجاع أموالهم من خارج العراق، خوفاً من خسارتها في العواصف الاقتصادية العالمية، بحسب الباحث السياسي سلام العزاوي.

ويعتقد العزاوي، في حديثه إلى رصيف22، أن هناك ضرورةً لزجّ هذه الأموال في الأسواق لتبرير مصادرها وزيادتها في آن واحد، نظراً إلى حجمها، ويضعها أصحابها غالباً داخل المحافظ الاستثمارية الخاصة بالمجمعات السكنية.

وهناك جانب ثانٍ مرتبط بالجانب السابق، إذ يحتاج البعض إلى إعادة تهريب أموالهم إلى خارج البلاد، لأغراض شخصية أو لتنفيذ أجندات معيّنة، ولكن المراقبة المشددة المفروضة على الحركة المالية في العراق، تعيق أي محاولات لإخراج كميات كبيرة من العملة الصعبة دون مبرر قانوني يوضح مصدرها. وتالياً فإن كثيرين من الفاسدين يعيدون غسيل أموالهم المنهوبة عبر شراء أسهم استثمارية داخل مجمعات بغداد على وجه الخصوص، وإعادة بيعها عبر أحد المصارف الرسمية أو البعيدة عن خط العقوبات الأمريكية، ثم توجيهها إلى خارج البلاد.

ولإيضاح المسألة بشكل أكبر، فإن العقوبات الأمريكية التي ضربت الحركة المالية في العراق، قلّلت الحد الأعلى للحوالات الأصولية إلى 10 آلاف دولار في الحالات الاعتيادية شهرياً، أو توضيح مصدر هذه الأموال إذا كانت أكثر من 10 آلاف دولار، وتالياً يُجبر جميع الراغبين في إخراج أموالهم من العراق على تبرير مصدرها، بشكل أصولي ورسمي.

سلبيات بيئية

وللمجمعات السكنية جوانب سلبية بيئياً، إذ تقام غالبيتها داخل المساحات الزراعية، بعد تجريفها من أجل تحويلها إلى مناطق سكنية، على غرار مجمعات مناطق الدورة والزعفرانية وجسر ديالى والكاظمية والأعظمية. وسبق أن طالبت وزارة البيئة، بتحرّك أمني عاجل لمنع استمرار عمليات تجريف الأراضي داخل العاصمة بغداد وفي محيطها، عادّةً هذا السلوك انتهاكاً صارخاً للقانون.

وقال مدير عام دائرة التوعية والإعلام البيئي أمير علي الحسون في بيان، إن "فرق وزارة البيئة ما زالت ترصد انتهاكاً للمساحات الخضراء من قبل عناصر تقوم بتجريف الأراضي الزراعية بعضها في حدود شمال بغداد، وآخرها ما يجري الآن في بساتين (مزارع) تقع مقابل جزيرة بغداد السياحية، إذ إن هناك من يمارس هذه الجريمة البيئية والتي هي من ضمن الجرائم التي يحاسب عليها القانون".

وفيما أشار الحسون إلى أن "استمرار هذه التجاوزات من الممكن أن يسهم مستقبلاً في زيادة مساحات التصحر وارتفاع معدلات درجات الحرارة والغبار، دعا وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والناشطين إلى "رصد هكذا مخالفات في عموم محافظات العراق ومساندة الحكومة والوزارة في جهودهما لزيادة المساحات الخضراء وتطبيق مفاهيم التنمية المستدامة".

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة