Skip to main content

نوري المالكي: الرجل الذي حكم العراق بقبضة من حديد وخسر السلطة بمعركة تحالفات وأزمات

مقالات الأحد 02 شباط 2025 الساعة 14:23 مساءً (عدد المشاهدات 251)

سكاي برس/ بغداد

لم يكن صعود نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء في العراق عام 2006 مجرد انتقال سياسي تقليدي، بل كان نتاج تحالفات معقدة وصراع خفي على السلطة، انتهى بإقصائه من المشهد التنفيذي في 2014 وسط اتهامات واسعة بالفساد، الاستبداد، وسوء إدارة الدولة.

اليوم، لا يزال المالكي شخصية جدلية، تتنازعه الإشادات والانتقادات، بينما تحيط باسمه الكثير من الأسرار، خاصةً مع تداول ملفات تخص ابنه أحمد، الذي يشاع أنه كان الحاكم الفعلي للعراق خلال حقبة والده.

بدأ المالكي مسيرته السياسية كعضو في حزب الدعوة الإسلامية، لكنه لم يكن من الصف الأول داخل الحزب حتى بعد سقوط نظام صدام حسين. برز اسمه كمرشح لرئاسة الوزراء عام 2006 بفضل دعم أمريكي إيراني مشترك، حيث رأى الأمريكيون فيه شخصية قادرة على تحقيق الاستقرار، بينما اعتبرته طهران خيارًا يضمن استمرار نفوذها في بغداد.

دعمه الأكراد بزعامة جلال طالباني ومسعود بارزاني، في مقابل وعود بمنحهم امتيازات سياسية واقتصادية، كما حصل على تأييد بعض القوى السنية المعتدلة التي فضّلت المالكي على خصومه الأكثر تشددًا. مع بداية ولايته الأولى، واجه المالكي تصاعد العنف الطائفي، لكنه استطاع فرض سيطرته عبر “خطة فرض القانون”، التي اعتمدت على القوات الأمنية المدعومة أمريكيًا.

تمكّن من كبح نفوذ الميليشيات في بغداد، لكنه في الوقت ذاته عزز سلطته عبر تمكين شخصيات موالية له داخل الجيش والأجهزة الأمنية، وأبعد المنافسين تدريجيًا عن مراكز القرار.

كان عام 2010 محطة حاسمة في مسيرته، حيث فاز إياد علاوي بانتخابات البرلمان بأكبر عدد من المقاعد، لكن المالكي تمكن، بدعم من القضاء العراقي وبتدخل مباشر من إيران، من الحصول على تأويل قانوني مكّنه من تشكيل الحكومة رغم خسارته عدد المقاعد. اعتُبرت هذه الخطوة ضربة للديمقراطية الوليدة في العراق، لكنها عززت صورة المالكي كسياسي لا يقبل الهزيمة.

رغم أنه صعد بدعم إيراني كردي أمريكي، إلا أن المالكي بدأ يخسر حلفاءه واحدًا تلو الآخر مع مرور الوقت. الأكراد الذين كانوا داعمين له في البداية انقلبوا عليه بسبب خلافات حول الميزانية، النفط، وصلاحيات إقليم كردستان، وأصبح مسعود بارزاني من أشد معارضيه، متهمًا إياه بالسعي إلى إقامة ديكتاتورية شيعية.

الولايات المتحدة التي رأت فيه شريكًا مناسبًا في البداية، بدأت بالتخلي عنه تدريجيًا بسبب سياساته الإقصائية والطائفية، التي يُعتقد أنها ساهمت في صعود “داعش”.

حتى داخل البيت الشيعي، لم يكن المالكي محبوبًا. مقتدى الصدر انتقده بشدة ورفض دعمه لولاية ثالثة، وعمار الحكيم كان أحد أبرز الشخصيات التي دفعت لإزاحته عبر تحالفه مع حيدر العبادي. جاءت الضربة القاضية للمالكي في 2014، عندما اجتاح تنظيم “داعش” الموصل ومدنًا أخرى، وسط انهيار مفاجئ للجيش العراقي.

سرعان ما وُجّهت إليه اتهامات بالمسؤولية عن الكارثة، بسبب إدارته السيئة للملف الأمني، وتعيينه قادة عسكريين موالين له غير مؤهلين. تحت ضغط داخلي ودولي، أجبر المالكي على التنحي لصالح حيدر العبادي، الذي اختير كمرشح توافقي بين الولايات المتحدة وإيران.

حاول المالكي مقاومة قرار الإبعاد، لكنه وجد نفسه محاصرًا بتحالف واسع من خصومه، ليغادر منصب رئاسة الوزراء بعد ثماني سنوات من الحكم المطلق. يشاع أن ابنه أحمد المالكي كان يلعب دورًا محوريًا خلال حكم والده، حيث تحول من موظف بسيط إلى شخصية نافذة في مكتب رئاسة الوزراء.

تداولت تقارير عديدة تورطه في قضايا فساد، منها صفقة أسلحة فاسدة مع روسيا، إضافة إلى اتهامات بالسيطرة على عقود حكومية ضخمة عبر شبكة محسوبين عليه.

في 2014، ترددت شائعات عن امتلاك أحمد المالكي لأرصدة بمليارات الدولارات في حسابات خارجية، وهو ما زاد من الغضب الشعبي تجاه والده. رغم نفي المالكي المستمر لهذه المزاعم، إلا أن هذه الاتهامات أضرّت بسمعته السياسية، وأصبحت ورقة يستخدمها خصومه ضده باستمرار. حتى داخل حزب الدعوة، لم يكن المالكي بعيدًا عن الصراعات. بعد سقوطه السياسي، شهد الحزب انقسامات حادة، حيث انشق بعض أعضائه المقربين، مثل حيدر العبادي، الذي أصبح منافسًا شرسًا له، بينما بقي آخرون مثل حسن السنيد وطارق نجم ضمن دائرة الولاء له. أما شخصيات مثل علي الأديب، فقد تبنت مواقف أكثر توازنًا، لكنها لم تسانده بقوة عندما احتاج الدعم لاستعادة نفوذه. رغم فقدانه لمنصب رئيس الوزراء، لا يزال المالكي يحتفظ بنفوذ داخل حزب الدعوة، ويُعتبر لاعبًا أساسيًا في المشهد السياسي العراقي. يسعى منذ سنوات للعودة إلى السلطة، لكنه يواجه معارضة قوية، سواء من داخل البيت الشيعي أو من خصومه السياسيين الآخرين. وبينما تتغير التحالفات السياسية في العراق، يبقى السؤال: هل سيشهد المالكي عودة سياسية مفاجئة، أم أن اسمه سيظل مرتبطًا بمرحلة انتهت دون رجعة؟

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة