Skip to main content

مواعظ الزهد من دنيا الرشيد

المقالات الأربعاء 07 تشرين أول 2015 الساعة 19:59 مساءً (عدد المشاهدات 1289)

بقلم/ سليم الحسني..من قصره المنيف في المنطقة الخضراء، وفي قاعة تبرق بالأثاث السلطاني، والستائر المطرزة بخيوط ذهبية كما تبدو في الصور بوضوح.. ومن حول القصر جموع الحرس متوثبين لدرء الخطر الوهمي عنه، يجلس السيد خضير الخزاعي يكتب عن الزهد، وعن المتعة الأسطورية التي يشعر فيها الزاهدون، مستشهداً (أين الملوك وأبناء الملوك مما نحن فيه من لذة)، ويشرح الخزاعي هذا القول المأثور بأن الارتباط بالله تعالى والذوبان في طاعته، يعطي العبد هذه اللذة التي لا يحسها إلا الزاهد العابد الذي وضع الدنيا تحت قدميه.

في اليوم التالي تصدر جريدة الصباح، وفيها مقال السيد نائب رئيس الجمهورية.. تأتيه النسخة على مائدة الصباح العامرة، فيتأملها مزهواً بسطور الحكمة التي سطّرها على مكتبه الضخم اللماع في أكثر مكان آمن في العالم، أسوار داخل أسوار، ومن ورائها الخوف والجوع والفقر والحرمان.

صادق هذا الرجل مع هوى النفس، منسجم تماما مع حرفته، فالدين عنده للكلام لا للسلوك.

** ** **

غير بعيد منه، ينتصب قصر منيف آخر، يجلس فيه رجل يضخ العبارات المفهومة وغير المفهومة ضخاً.. يقلب المفردات ويدوّرها بوعي وبغير وعي، وقد خصص فضائية له، هي مرآة ذاته، تعرض ما يفعل وما يقول، وتعيد ما يفعل ويقول، ثم تكرر ما يفعل ويقول.

جاءوا اليه بمجموعة من الشعراء، ألقوا قصائد المديح، فأجزل لهم العطاء، وحين انفضوا من حوله، شعر بوحشة الصمت، أزعجه انقطاع المديح، فبعث اليهم بأن لكل بيت شعر مائة دولار عما يمدحون، ولا سقف للعدد، فالآلة الحاسبة تعطي الثمن عادلاً صحيحاً.. ألف دولار، خمسة آلاف، عشرة آلاف وهكذا.

يتكلم عن الطاعة والصدق والتواضع وأخلاق أهل البيت عليهم السلام.. يبدأ خطاباته في المحافل الدولية والمحلية بآيات القرآن الكريم، تخنقه العبرة حين يمرّ على ذكر الفقر وضحايا الإرهاب. قبل أن ينتقل الى كلام غير مفهوم يلقيه على أسماع متخصصين في الدبلوماسية والسياسة والفكر، فيرثون حال العراق حين يكون هذا الذي يقف أمامهم هو السيد إبراهيم الجعفري وزير خارجيته.

** ** ** 

وهناك غير بعيد منهما، في قصر يتسع لسكان حيّ التنك، وموائد طعام تُشبع جياع قطاع كامل من قطاعات مدينة الصدر، يجلس السيد الشاب على منصته العالية، متزيناً بأفخر المساحيق المضادة للتعرق، وقد تم تحديد لحيته بمقاييس لا تنقص منها شعرة ولا تزيد فيها شعرة، وامامه باقات الزهور ليشم عبيرها المنعش، وليمحنها عطراً من عطوره الباريسية النادرة.. يخطب في الحاضرين، هادئاً مسترخياً عن زهد أمير المؤمنين شهيد المحراب عليه السلام، وعن ثورة الحسين المذبوح من الوريد الى الوريد، وعن تضحيته من اجل العقيدة والإصلاح في أمة جده. ثم يزداد به الحماس فيدعم المفهوم بنصيحة حادة المضمون ناعمة النبرة، يوجهها للمسؤولين يدعوهم الى مشاركة الناس عيشهم وهمومهم، وتقديم الخدمات لهم، وحمايتهم من الإرهاب ومحاربة الفساد.

تنتهي الخطبة، يتجه نحو نادي الفروسية ليطمئن على ضحكات ابنه السيد مهدي وهو يتدرب على ركوب الخيل محاطا بالخدم والحشم والحمايات، فابن السيد عمار الحكيم ليس كأبناء الناس، هؤلاء خلقوا ليعيشوا البؤس، وابنه خلق ليغرق بالنعيم.

** ** **

يُرشح الشيخ همام حمودي في كل انتخابات برلمانية، فتتجمع في سلته بضعة أصوات لا توصله الى الحد الأدنى، لكنه يدخل البرلمان بعناوين ثانوية، فليس من الصحيح أن يبقى الشيخ خارج البرلمان، إنه يعشق السياحة والسفر، فإما ان يكون رئيس لجنة العلاقات الخارجية، وإما نائب رئيس البرلمان.

بطائرات خاصة أو بالدرجات الأولى وفي أفخر الفنادق يمارس الشيخ مسؤولياته الكبرى في تجسير العلاقة مع الدول السياحية الأولى في العالم. يعود من سفره، فيزعجه ضجيج البرلمان، والكتب الرسمية وأزمات البلد.. تثور حماسة التطوير والحلول في صدره ورأسه، يتجه نحو مجموعة أخرى من الدول، ليجسر العلاقات ويكتسب الخبرات.

في طائرته يرى من النافذة أجمل المناظر، يرى زرقة البحر تتلألأ بضوء الشمس.. يا شيخ إنها جثث المهاجرين واللاجئين العراقيين، هربوا بحثاً عن الأمن ولقمة العيش، فغدر بهم القارب المتداعي.

** ** **

لماذا يا كاتب هذه المقالات تهاجم المتدينين المؤمنين؟.

ليس هذا سؤالاً افتراضياً، لقد سمعته كثيراً منذ سنوات وسنوات، ولا يزال يتردد، وجوابي: أين هؤلاء من الإسلام والتدين والإلتزام الإخلاقي؟.

وهل لحق الإسلام تشويه أكثر من هذا بسبب أفعالهم وتكالبهم على دنيا هارون الرشيد؟.

بعد أيام سيحل شهر محرم الحرام.. سيرى المواطن العراقي الحزن والملابس السود وملامح الأسى على الوجوه المترفة تلاحقهم عدسات مصوريهم.. سيقيمون في قصورهم مجالس العزاء على سيد الشهداء المذبوح في العراء.. وسيبكون ويلطمون صدورهم، وسيرمي نفسه من على المنبر سيد الترف والنعيم، من فرط ألمه على مقتل الحسين عليه السلام.

دورة تتكرر كل عام، وسلوك معوج يحدث كل يوم.. فهل يمكن ان نجد لهم اسماً آخر؟ إنهم (إسلاميو السلطة) جاءتهم بغمضة عين، فتمسكوا بها بنياط قلوبهم، واحاطوها بالشغاف، فصارت هي دنياهم التي تحجب عنهم الآخرة.

** ** **

ينتفض الدكتور حيدر العبادي حماسة على الخزينة الفارغة، وعلى الفساد المستشري، وعلى ضياع مساحات من العراق بيد تنظيم داعش، يطرح حزمة إصلاحات، ثم يردفها بثانية وثالثة. تؤيده المرجعية، وتدعمه الجماهير، لكنه يجد في الدعم محنة كبرى، إنه اصبح أمام مسؤولية التنفيذ، وإتخاذ القرار.. وتلك هي المحنة التي يمقتها، فعليه أن يتخذ القرارات الحاسمة، بينما عاش عمره يكره القرار. يبقى يفكر في مخرج من ورطة الحسم، فيتراجع، ثم يخطب، ثم يتراجع.

إنه يعشق المنصب، فرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، اسم كبير، ولكي يستوعب حجم هذا الاسم، كثيراً ما يُعرّف الناس بمنصبه في خطاباته، لعله يريد ان يصدق بانه هو صاحب المنصب.

يعشق المنصب، لكنه يريده بلا تبعات، يريده عنواناً يعيش فيه، لا مسؤولية يتحمل تباعاتها.

هي فوضى، تحكم العراق، فوضى ثمينة يتمسك بها السياسيون كلهم، سنة وشيعة وكرد واقليات، فالفوضى للشعب، ولهم المكاسب والامتيازات. واقصى ما يفعله الشعب، غضب اسبوعي يستفرغونه بعدة هتافات ثم يعودون بعده لبيوتهم بانتظار جمعة قادمة.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك