Skip to main content

نفط العراق.. وقود سياسي يؤجج التوتر بين بغداد وأربيل

مقالات السبت 19 شباط 2022 الساعة 14:44 مساءً (عدد المشاهدات 2071)

سكاي برس /

إبراهيم حاج عبدي

أضافت المحكمة الاتحادية العليا في العراق سببا جديدا إلى أسباب التوتر الكثيرة بين بغداد وأربيل، حين أصدرت، أخيرا، حكما يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلاً عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية في بغداد.

ورغم أن الخلاف حول هذا الملف بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم قديم/جديد، غير أن المحكمة الاتحادية اختارت توقيتا سيئا لحسم الملف قضائيا..

جاء التوقيت في ظل السجالات والمشاورات بشأن تشكيل الحكومة، وكذلك في ظل التعثر في اختيار رئيس للجمهورية، بعدما أقصت المحكمة عينُها في وقت سابق من الشهر الجاري مرشحَ الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري من سباق الرئاسة على خلفية تهم ودعاوى تتعلق بـ“الفساد“.

ورغم أن قراري المحكمة صدرا في وقت متقارب، غير أن القرار المتعلق بزيباري مر مرور الكرام، بعد اختيار مرشح بديل، بينما من المرجح أن يتحول القرار المتعلق بملف النفط إلى وقود سياسي سيؤجج التوتر، وربما يفتح الباب أمام ”حروب أهلية جديدة“ ذات طابع عرقي قومي عانى منها العراق بعربه وأكراد في العقود السابقة.

وما يدعم مثل هذا السيناريو القاتم هو أن قرار المحكمة يتعلق هذه المرة بقطاع حيوي يمثل شريان الحياة للعراق وللإقليم، وهو النفط؛ فالعراق يعتبر ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، ويسهم بنحو 3.5 مليون برميل يوميا للتصدير، وهو ما يمثل أكثر من 90 في المئة من دخل العراق.

وبهذا المعنى، فإن القرار في حال تطبيقه وإخراج ملف النفط من يد حكومة الإقليم سيؤثر على الأوضاع المعيشية والحياتية اليومية لسكان الإقليم الذي حقق بموارده القليلة ازدهاراً نسبياً، بالقياس إلى باقي المناطق العراقية التي تعاني من الفوضى ونقص الخدمات، بسبب ما يراه مراقبون ”سوء إدارة الموارد“، والفساد وهيمنة المليشيات المسلحة التي تفضل العمامة الإيرانية على المصالح الوطنية العراقية.

حكومة الإقليم سارعت إلى الاحتجاج على القرار واعتبرته مسيسا، وكان لافتاً أن المحكمة التي أصدرت القرار تتألف من قضاة عرب مع قاضيين كرديين..

وفي حين صوت القضاة العرب جميعا لصالح القرار، فإن القاضيين الكرديين اعترضا عليه، وهو ما يكشف عن الصبغة السياسية للقرار الذي لم يستند إلى روح القانون والدستور بقدر استقوائه بقوة المركز في بغداد، وسعيه إلى فرض شروطه على الإقليم، مثلما جرى خلال الاستفتاء الذي نظمه الزعيم مسعود بارزاني عام 2017، وفجر خلافا حادا بين أربيل وبغداد التي رأت في الخطوة الكردية تمردا ونزوعا للانفصال.

من المؤكد أن ثمة خلافات بين بغداد وأربيل حول حصص النفط، غير أن إصدار القرار في هذا التوقيت لن يسهم في تضييق هوة الخلاف بقدر ما سيساعد على مزيد من الاستقطاب، ومن غير المرجح أن تمتثل السلطات الكردية لحكم المحكمة، حسب تصريحاتهم المحتجة، بل سيعود الطرفان من جديد إلى خوض حوارات بخصوص هذا الملف الشائك، ما يعني أن التريث في إصدار مثل هذا القرار كان الخيار الأنسب، بحسب المتابعين للشأن العراقي.

ثمة ملفات كثيرة عالقة في العراق، لا يبدو أن حسمها قريب، بدءاً من النواحي الخدمية المتردية، ومرورا بالمليشيات الموالية لإيران التي تصول وتجول في البلاد، بحثاً عن النفوذ والسلطة، ثم وصولا الى ملفات الفساد، والتعثر في تشكيل الحكومة، وقضية كركروك المتنازع عليها… وسواها من الملفات التي لو تمت معالجتها لأصبحت مسألة الخلاف النفطي ثانويا.

لكن المحكمة الاتحادية العليا ارتأت أن تثير من بين هذه الملفات الشائكة ملف النفط، وهو ما من شأنه أن يضيف المزيد من الاستعصاء على المشهد السياسي والخدمي والاقتصادي والعلمي والصحي في البلاد.

وفي بلد مثل العراق يعيش وضعا سياسيا مضطربا لا يمكن التسليم باستقلالية القضاء الذي يخضع دائما للأقوى..

وفي الحالة العراقية، فإن بغداد أكثر قوة وسطوة من الإقليم، ومن هنا ربما كان مسؤولو الإقليم محقين في وصف القرار بالمسيس، ما يعني أن ثمة معارك منتظرة سيكون هذه المرة وقودها النفط الذي قد يتحول من نعمة لأهل العراق إلى نقمة دامية.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك