Skip to main content

ما لم تقله شهرزاد في الف ليلة وليلة عن بغداد

مقالات الاثنين 30 تشرين ثاني 2015 الساعة 02:31 صباحاً (عدد المشاهدات 7750)

 

بقلم :مراد الغضبان

 أليس جميــلـآ أن نتشــآبه في الِمزآج ســوآد في أعمــآقي .. ظلمه كآمنه .. لا شيء وآضح .. اختنآق .. وكأن السمـآء تنطبق على صدري .. اريد ... البكــآء لكن عيناي تخذلاني راسي اصبح فارغا حتى من الكلمـآت 

.اتعرفين يا شهرزاد  ذلك الشعور .. حينمــآ تتوقفين ..لا حرآْك لا مزيد من أي شيء !

في النهار تولد الحكايات .... وفي أول الليل نحكيها .... وفي آخر الليل أسمع أحلى الحكايات

لم تكن شهرزاد قادرة على البوح إلا بالكلام المباح .

فهل آن الأوان لكي تصَرَّح شهرزاد بالكلام غير المباح .. ؟!

ولما كانت الليلة الأولى بعد الأف الليالي واليالي وبعدما دلف شهريار ووقف أمام شهرزاد وخلفهما مسرور السياف ، طلب منها إستكمال ماتوقفت عنه البارحة .فقالت شهرزاد مولاي الملك دع عنك كل ماسمعت وحكايات الف ليلة وليلة 

وحكايات الجان والحفاريت اللصوص والسراق وقطاع الطرق الملوك والصعاليك هذه المرة ساحكي لك عن بقعة مظلمة حالكة تسمى بوطن اسمه (العراق).سأحكي لك عن الموت بلا موت ..الموت الحقيقي ..هو ان تموت وانت مازلت حيا تُرزق ليس بالضرورة

ان تلفظ انفاسك .وتغمض عينيك .ويتوقف قلبك عن النبض.ويتوقف جسدك عن الحركة.كي يُقال عنك: أنك فارقت الحياة

ففي العراق الكثير من الموتى.يتحركون.يتحدثون.يأكلون.يشربون.يضحكون.لكنهم موتى..يمارسون الحياة بلا حياة

فمفاهيم الموت لدى العراقين تختلف.. وهناك من يشعر بالموت حين يحاصره الفشل من كل الجهات ويكبله إحساسه بالأحباط عن التقدم فيخيل إليه ان صلاحيته في الحياة قد انتهت.

وانه لم يعد فوق الارض  من يستحق البقاء من اجله ..والبعض تتوقف الحياة في عينيه في لحظات الحزن ويظن ان لا نهاية لهذا الحزن وانه ليس فوق الارض من هو أتعس منه فيقسو على نفسه حين يحكم عليها بالموت

وينفذ بها حكم الموت بلا تردد وينزع الحياة من قلبه ويعيش بين الآخرين كالميت تماما فلم يعد المعنى الوحيد للموت

هو الرحيل عن هذه الحياة فهناك من يمارس الموت بطرق مختلفة  في العراق 

ويعيش كل تفاصيل وتضاريس الموت وهو مازال على قيد الحياة... حكاية مختلفة في فصولها وطقوسها وتضاريسها.لكنني اكتشفت ان الحكايات في العراق..تتشابه.والتضاريس تتشابه.الا الاحساس.وحده الاحساس يامولاي  يبقى مختلفا.كبصمات الانامل.

وهنا أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام  الغيرمباح.

لكن شهريارالذي  متكئ على الوسائد متشبث بكبريائه وعقده فزع مما من هول  تقول وامرها ان تسرد حكايتها عن العراق والموت الذي يقلبه صباح مساء اكملي يا شهرزاد فلم يبقى  عندي من قوس الصبر من منزع.اكملي 

ولكن قبل ان تكملي من يحكم هذه البلاد...اقصد العراق.

فقالت شهرزاد ـ بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي السديد والحكم الرشيد، أن سبب ويلات هذا البلد هم حكامه واحزابه .

كان شهريار يسهر كل ليلة مستوحشا فصار سجين ألف ليلة و صار سجين الحكاية لكن حكاية شهرزا ليست ككل الحكاية 

وحكايتها هذه المرة ليست من الف ليلة وليلة.انها من عصر الخراب عصر التيه والضياع.

اكملي يا شهرزاد. لقد مرت عليك أحقاب طويلة وأنت تلوكين حكايا ألف ليلة وليلة .. يقولون ان حروفك فتنة .صوتك فتنة .ضحتك فتنة وما خفي اعظم فتنة ...

فقالت كيف لااكون فتنة وانا من وطن تشتت بفتنة...ويالها من فتنة." أنا شهرزاد القصيدة و صوتي غناء الجراح

هل سمعت يامولاي ببغداد ؟فقال شهريار متعجبا كيف لم اسمع وهي حاضرة الدنيا ..

لا يامولاي ليست بغداد هذه كما تظن ...لقد حل الخراب في كل شي...لكن هل سمعت ماذاقال عنها نزار قباني..

مُـدّي بسـاطيَ وامـلأي أكوابي ,, وانسي العِتابَ فقد نسَـيتُ عتابي 

عيناكِ، يا بغـدادُ ، منـذُ طفولَتي ,, شَـمسانِ نائمَـتانِ في أهـدابي 

لا تُنكري وجـهي ، فأنتَ حَبيبَتي ,, وورودُ مائدَتي وكـأسُ شـرابي 

بغدادُ.. جئتُـكِ كالسّـفينةِ مُتعَـباً ,, أخـفي جِراحاتي وراءَ ثيـابي 

ورميتُ رأسي فوقَ صدرِ أميرَتي ,, وتلاقـتِ الشّـفَتانُ بعدَ غـيابِ 

أنا ذلكَ البَحّـارُ يُنفـِقُ عمـرَهُ في ,, البحثِ عن حبٍّ وعن أحبابِ.

جميلة تلك القصيدة اكل قصائد بغداد بهذه الروعة ...انشيدنا يا شهرزاد...انشدينا..

مولاي الم تسمع قول الشاعر مصطفى جمال الدين فيها وكيف وصفها

بغداد ما اشتبكتْ عليكِ الأعصرُ      إلّا ذوتْ ووريقُ عمركِ أخضرُ

مـرتْ بكِ الدنيا وصبحكِ مشمسٌ     ودجت عليك ووجه ليلكِ مقمــرُ

بــغدادُ بالسـحر المندى بالشذى ال    فــوَّاح مـــن حلل الصَّبا يتقطَّرُ

بالشاطئ المسحور يحضنه الدجى     فيــكاد من حرق الهوى يتنــورُ

بالسامرين أثـــــابهم من لـهوهـــم    وهـج الضحى وكأنهم لم يسمروا

قصي فنحن وراء (ألفك) ليلــة      أخرى يطول بها الحديث ويقصرُ

عن(عصركِ الذهبي)ما طال المدى     إلا ونــــاصع وجــهـه المتصدرُ.

لم تبقى بغداد كما كانت ولم يعد شارع الرشيد كما وصفه ديزموند ستيوارت.( أن من زار بغـداد ولم يدخل شارع الرشيد فكـأنه لم ير من بغـداد شيئا)ً  اصبحت وامست بغداد مدينة الحزن للحزن يا مولاي مدينة مظلمة...لا يسكنها سواي والخراب يُقال يا مولاي ان لون الحزن اسود.وان طعمه مر  وانه يسكن تلك القلوب المفجوعة وانه يمتص رحيق العمر

وانه حين يدخل مدن الاحلام يدمرها وان دجلة  التي يمر بها الحزن تشتعل بالنار...

ولايزال شهريار يسمع وهو مفجوع القلب مجروح الكرامة .. فلجأ إلى القسوة يخفي في ثناياها انكساره .. وهو الذي جعل  نفسه إلهًا صغيرًا على الأرض نهض وهو يصيح بعلو صوته يامسرور  "اعدد العدة وجهز جيشك لنغزو العراق ونحرره من احزابه التي احتلته وحرقت الاخضر قبل اليابس.

فصاحت شهرزاد بعلو صوتها لا يامولاي يكفي العراق ما حل به من غزوات وحد تلو الاخر

ااتركهم يعيثون فسادا في الارض...ااتركهك يقتلون بغداد؟

مولاي هذا هو قدر العراق وهذا هو قدر بغداد. سيتغّير كل شي مع الزمن ؛!! لكن غالباً يتغيرون للأسوأ

كانت شهرزاد ضعيفة .. في الظاهر فقط .. لكنها الأقوى في إدراكها ومواهبها .. وبنعومة الحرير أخذت تروي الكلام غير المباح .؟. حتى استسلم وأذعن من حيث لا يدري .. 

فقال لها حين ترفعين يديك وقلبك اللسماء لاتنسي ان تدعي ان لا تنكسر اجمل الاشياء في العراق 

- سيأتي كل ما دعوت به سيأتي قد يختلف شكله ... قد يطول وقته قد يجيء أفضل منه .. ولكنه سيأتي ليس لان دعائك مقدس و انما لان الله قريب مجيب دعوة المظلومين ...

ومع صياح ديك الصباح سكتت شهرزاد عن الكلام الغير مباح وبينما غط شهريار في نوم عميق ، لم يقترب النوم من عيني شهرزاد وبقيت تنظر إلى الملك الشاب الملقى بجوارها ، لقد ملت اللعبة وكرهت الفكرة ، تتشابه الأيام والشهور والسنوات وهي مازالت تحكي تحكي وتحكي ..

 .

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة