Skip to main content

كان آخره قبل ربع قرن ولم يعترف بنتائجه .. لماذا عجز العراق عن إجراء تعداد سكاني ؟ وما مخاطر تعطيله ؟!

المشهد السياسي الخميس 23 شباط 2023 الساعة 14:04 مساءً (عدد المشاهدات 2172)

 

بغداد/ سكاي برس

أجرى العراق، في عام 1997، تعداده السكاني الأخير. عملية شابتها الكثير من المشاكل، فلم يشمل الاستطلاع إلا 15 محافظة بعد استبعاد محافظات إقليم كردستان، الأمر الذي دفع بعض الباحثين لعدم الاعتراف بنتائجه والاكتفاء ببيانات الإحصاء الذي سبقه بعشر سنوات وشمل جميع محافظات العراق.

لا يتعلّق التعداد بإحصاء عدد السكان فقط، وإنما يحدد أدق تفاصيل التركيبة السكانية للدولة التي تعتمد عليها الحكومات لاحقا لبناء خططها في مجالات التربية والتعليم والصحة وغيرها.

منذ 26 عاما، لم ينجح العراق في إجراء تعداد سكاني آخر، واعتمدت الحكومة على إحصائيات قديمة أو غير رسمية عادة ما يشوبها هامش خطأ كبير يؤدي لاختلال في النتائج المرجوّة، وهو أمر يفترض أن يتغيّر عقب إعلان تنفيذ التعداد هذا العام.

فلماذا عجز العراق طوال رُبع قرن عن إجراء تعداد سكاني؟

 تاريخ التعداد في العراق

وفقاً لما أورده موقع صحفي عن سعد محسن، في بحثه "التعدادات السكانية التي جرت في العراق"، فإن بلاد الرافدين عرفت "تعدادات سكانية" منذ عهد السومريين. حينها كانت تجرى هذه "التعدادات" لأغراض اقتصادية وعسكرية من أجل تحديد الذكور الشباب القادرين على حمل السلاح أو عدد التجار والأسر الغنية التي ستدفع الضرائب.

وخلال عهد الأمير كوديا، الذي حكم إمارة "لكش" السومرية من 2144 قبل الميلاد إلى 2124 قبل الميلاد، أجرى الحاكم العراقي تعدادا لسكان إمارته انتهى بتقدير عددهم بنحو 450 ألف نسمة.

في العراق الحديث، حاولت الحكومة عام ١٩٢٧ إقامة أول إحصاء سكاني عقب تأسيس الملكية العراقية، لكن أخطاءً كثيرة رافقت تنفيذ العملية دفعت بغداد إلى إلغاء نتائجه.

وفي عام 1934، أجري تعداد آخر اقتصر على تحديد عدد السكان القادرين على المشاركة في الانتخابات، وفي المجهود الحربي. حدّد هذا التعداد سكان العراق بأكثر من ثلاثة ملايين و200 ألف نسمة.

وبرغم بساطة بياناته إلا أنها ظلت مرجعية للدولة في خططها وبرامجها الحكومية حتى أجري تعداد آخر في 1947 بلغ فيه عدد العراقيين 4 ملايين و826 ألف نسمة.

تعدُّ هذه المرة أول محاولة عراقية لإحصاء السكان بوسائل فنية حديثة، مقارنةً بالمتوفر وقتها، وهو ما شجّع بغداد على إقرار سياسة تقتضي تنظيم تعدادٍ سكاني كل عشر سنوات.

جرى تنظيم هذا التعداد في 1957 (6 ملايين و300 ألف نسمة) و1965 (بدلاً من 1967) و1977 (12 مليون نسمة) و1987 و1997 التي شهدت تنظيم التعداد لآخر مرة.

مخاطر تعطيل التعداد

بدون قاعدة بيانات قوية، فإن "البلد يمشي إلى طريق مظلم ومغمض العينين"، هكذا وصف سمير خضير هادي، المدير التنفيذي للتعداد، مدى خطورة التأخر في تنظيم التعداد، ".

وقال محسن حسن، في بحثه "معوقات التعداد السكاني وآثارها السلبية على مستقبل التنمية في العراق"، إن الامتناع عن تنفيذ التعداد السكاني يعني دخول المؤشرات الإحصائية في العراق حيّز التخمين، وهو ما ترتّب عليه فشل معظم خطط التنمية الوطنية كونها مرتكزة على بيانات تقديرية غير موثوقة.

وفي ظل غياب التعداد، فشل العراق في تحديد حجم النمو السكاني بدقة، ما منعه من تبنّي سياسات تقلل النمو السكاني المتزايد ما أدّى لنشأة ظواهر الزحف على الأراضي الزراعية وزيادة الاستهلاك وشيوع البطالة.

وعجزت بغداد أيضا عن إصدار مؤشرات موثوقة تُعين صانع القرار على وضع خطط ناجحة توازن بين حجم السكان وتوزيع الخدمات التعليمية والصحية، ما خلّف أضراراً جسيمة على كافة جوانب التنمية في البلاد.

 أسباب التأجيل..

مثل أغلب دول العالم، يجري التعداد السكاني في العراق مرة واحدة كل عشر سنوات، لذا كان مفترضاً أن يتمَّ في عام 2007، ليتم إرجاؤه إلى 2009 بسبب الظروف الأمنية، ثم تأجل عشر سنوات دفعة واحدة، وفي 2019 تم إرجاؤه مُجدداً.

وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، فإن استعدادات تنفيذ التعداد بدأت منذ عام 2019، وكان مأمولاً أن يُنفذ عام 2020، لكن جرى تأجيله بسبب جائحة كورونا، بعدما كان مستحيلاً على المُنظمين تكليف 150 ألف باحث ميداني بالتجوّل على المنازل في هذه الظروف، لذا أُرغمت وزارة التخطيط على تأجيل المشروع.

في عام 2022، أُعلنت بغداد نيتها تنفيذ التعداد مجددا، وهو ما لم يحدث أيضاً بسبب الميزانية الكبيرة التي احتاجها الجهاز المركزي للإحصاء وتبلغ 120 مليون دولار، لم تتمكن الحكومة من توفيرها حينها.

وقال مهدي العلاق، كبير مستشاري صندوق الأمم المتحدة، إنه مع قدوم الحكومة الجديدة وإقرار الموازنة الجديدة تم توفير المخصصات اللازمة لتنفيذ التعداد.

 

وأعلن محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، هذا الشهر، خلال ترؤسه المجلس الأعلى للسكان توفير كل الإمكانات اللازمة لإنجاز التعداد في موعده.

وأكد السوداني، أن حكومته تعوّل على نتائج التعداد في وضع سياساتها وتنفيذ برامجها الاقتصادية، فضلاً عن إعداد خطط مستقبلة تساعد في تنمية المجتمع.

خلافات سياسية واقتصادية

يقول محسن حسن إن إجراء التعداد السكاني يرتبط بتحديد طبيعة المسار الانتخابي في العراق، ولاسيما ما يخص إسناد المقاعد البرلمانية وتحديد نصيب كل محافظة من هذه المقاعد على الدستور، الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى عرقلة التعداد من قبل بعض الأقليات المتنفذة والمحافظات الأقل تعداداً؛ حفاظاً على تمثيلها البرلماني القائم على المؤشرات التقديرية.

كما أن إجراء التعداد سيحسم الخلاف التاريخي حول أحقية حُكم المناطق المتنازع عليها، وهو ما يجعل العديد من الجهات السياسية متخوفة من إجرائه. فالمادة 140 من الدستور العراقي، نصّت على أن يُجرى إحصاء دقيق لعدد سكان تلك المناطق ثم يُجرى فيها استفتاء حول رغبة سكانها في الانضمام لإقليم كردستان أو البقاء مع بغداد.

وستُحتّم نتائج الإحصاء أيضا إجراء تغييرات في الموازنة العامة. فإقليم كردستان يحصل على حصة من الموازنة مقابلة نسبة سكانه، وهي القضية التي تسببت في خلافٍ دائم بين الطرفين، بعدما قرّرت بغداد خفض حصة الإقليم إلى 12.6 في المئة بدلاً من 17 في المئة، رغم الاعتراضات الكردية على ذلك، بسبب التفاوت في تحديد عدد سكان الإقليم بين الطرفين.

توزيع الموازنة العامة الاتحادية بين المحافظات مرهونٌ هو الآخر بعدد سكانها؛ لذا يمثل التعداد السكاني بيئة صراع من قِبَل المحافظات الباحثة عن زيادة حصصها المالية.

وبحسب حسن، فإن فكرة إجراء التعداد نفسها لا تزال محل خلاف بين مكوّنات المجتمع العراقي؛ فالأكراد يعدّونه فرصة لإظهار قوة العرق الكردي وغالبيته في مناطق النزاع، ويهدفون من خلاله إلى ضمّ المناطق المتنازع عليها لتحقيق تقدم في ملف تقرير المصير، بينما بعض العشائر العراقية تراه الأنسب لإظهار تكتلها السكاني في إطار المحافظة أو القضاء التابعة له، في حين تنظر إليه عشائر أخرى كونه نذير شؤم بزوال نفوذها، وإظهار ضعفها وأقليتها.

وهو ما يفسّر إعلان بعض القادة العشائريين العرب في كركوك، المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، أنهم سيقاطعون الاستفتاء لو لم يتم التحقيق في عمليات "التغيير السكاني" التي يتهمون الأكراد بتنفيذها في المدينة منذ 2003.

برغم هذه الأجواء المحتدمة، فإن عمليات التجهيز للتعداد الجديد تتواصل وسط تأكيدات حكومية بضرورة تنفيذه في موعده.

"الأجواء مهيأة سياسياً الآن واقتصادياً لتنفيذ التعداد، وكل ما نحتاجه هو اتخاذ القرار النهائي"، يقول العلاق لموقع "ارفع صوتك".

فهل يُجرى التعداد في موعده هذه المرة، أم يتأجل من جديد؟

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة