Skip to main content

المرجعية قوة جبّارة بيدها الحل

مقالات الجمعة 13 آب 2021 الساعة 19:52 مساءً (عدد المشاهدات 1567)

سكاي برس /

سليم الحسني
لا توجد عند الشيعة جهة مسموعة الكلمة غير المرجعية الدينية، فهي وحدها التي تملك قدرة التأثير الى أقصى حد، وهي وحدها التي إن قالت الكلمة الآمرة تحولت الى واقع يمشي على الأرض.

هذه القوة الجبّارة التي يمتلكها الشيعة، والتي بواسطتها يستطيعون تحويل جبال الأخطاء ومظاهر التدهور الى ركام محترق، لم تستخدم إمكاناتها من أجل الحل ومن أجل إنقاذ الشيعة من مخاطر واضحة شاخصة تتجه اليهم بمخالب مكشوفة وأنياب بارزة.

كانت هناك تجربة مشتركة في العملية السياسية بينها وبين القيادات السياسية، ثم أعلن المرجع الأعلى احتجابه الغاضب بوجه المسؤولين منذ عام ٢٠١١ وحتى اليوم. وقد ذكرتُ في مقال سابق أن التجربة كانت مع المسؤولين لكن العقوبة وقعت على الشيعة بهذا الاحتجاب. وكان المتوقع أن يقابل الغضب على السياسيين، انفتاح واسع على الكفاءات والشخصيات الشيعية من خارج السلطة، لمعالجة ما حدث والاستعانة بآرائهم في تصميم حلول واقعية ناضجة تمنع الانحدار في مزيد من الخسائر.

لكن ذلك لم يحدث، بل حدث أمر آخر زاد من تدهور الأوضاع، فقد استغل المكتب والمرتبطون به دخول المرجع الأعلى في الغيبة عن السياسيين، ليمارسوا أوسع عمليات التدخل في شؤون الدولة، وكان أخطر ما فعله المكتب تأثيره السلبي على المشاركة في انتخابات عام ٢٠١٨ لإضعاف تمثيل الحشد الشعبي في البرلمان. ثم حركته السرّية لتولية عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء قبل تحديد الكتلة الأكبر. فقد وصلت قناعة المكتب الى أن السيطرة على توجهات الكتلة الأكبر ليس مضموناً في اختيار المرشح الذي يريده، فلجأ الى تمييعها ليكون هو صاحب القرار بلا منافس.

لكن القائمين على المكتب اكتشفوا خطأ هذا الاختيار، فلم يحقق عادل عبد المهدي هدفهم في تحجيم الحشد الشعبي، كما أن قوة علاقته مع إيران فاجأتهم بشكل صادم، لذلك وقفوا الى جانب التظاهرات التشرينية ودعموها مادياً ومعنوياً بشكل فاق التصورات، لاستغلالها في عزل عادل عبد المهدي.

وتواصلت التدخلات بشكل مكثف، فاستقر قراره على دعم ترشيح مصطفى الكاظمي لتولي رئاسة الحكومة. وكانت خطوة المكتب التالية إحداث الانشقاق في الحشد الشعبي تحت عنوان حشد العتبات، وكانت تلك إشارة صريحة منه بأن الحشد صار مكشوفاً من ناحيتنا لمن يرغب في استهدافه.

وهكذا استمر المكتب في تدخلاته المتصاعدة بشؤون الدولة في مناطق حساسة مستغلاً اعتكاف المرجع الأعلى عن التدخل. وقد لوحظ أن هذه الفترة هي من أشد فترات السيد السيستاني عزلة، فلم يلتق خلالها إلا بالممثلة الأممية بلاسخارت وبابا الفاتيكان. كما فشلت كل محاولات وجهود الشخصيات الشيعية المستقلة في الحصول على لقاء مع المرجع الأعلى لعرض مخاطر الساحة وتقديم مشاريع الحل التي يمكن ان تنقذ الوضع من مزالق الفوضى والخراب.

لا يوجد أي مبرر مقنع يمكن أن يُفسّر السرّ وراء ممانعة القائمين على المكتب من السماح لكفاءات الشيعة وشخصياتهم من لقاء المرجع الأعلى. فالمرجع غاضب على المسؤولين السياسيين غضبة احتجاج مطلوبة، لكن ما ذنب الشيعة بأن تقع عليهم شرارة الغضب؟
إن الثقة تدفعني للقول بأن هذه القطيعة ليست من المرجع الأعلى السيد السيستاني، وإنما هي قرار خاص اتخذه المكتب وفرضه فرضاً، واستخدمه لصد الكفاءات الشيعية المخلصة في تقديم مشاريع الحل للمرجع الأعلى. وقد وجدنا كيف تعامل المكتب بإهمال متعمد للمبادرة الشيعية التي تداولها أساتذة الحوزة العلمية وفضلاؤها.

وليس تلك المبادرة هي الوحيدة التي قمعها المكتب، بل هو يصم أذنيه ويغمض عينيه عن كل طلب للاجتماع مع المرجع الأعلى يتناول شؤون الساحة والشيعة.

إن فرص الحل ميسورة عند شخصيات الشيعة الكفوءة العارفة بشؤون الساحة وأجواء السياسة والمشهود لهم بالنزاهة والخبرة والنجاح، ولو أُتيحت لهم فرصة اللقاء بالمرجع وتقديم رؤاهم ومشاريعهم في الحل، لخرج الشيعة من بؤس الواقع الحالي وظلال التشاؤم المخيفة الى واقع العمل العلاجي المؤثر.

ليس للشيعة خيار غير هذا. فالمرجعية هي قوتهم وملاذهم وقيادتهم، والمرجع الأعلى هو رمزهم وملاذهم وقائدهم، والكلمة منه تصنع التاريخ، لأنها ستتحول الى فعل جماهيري واجب التطبيق.
إن حال الشيعة يقف على مفصل حاد حرج، بين حسابات المكتب الخاصة، وبين أجواء الحل الممكنة. والقرار ليس بيد الكفاءات الشيعة التي تريد الحل والإنقاذ، إنما بيد المكتب وحده فهو الذي يقف على الباب.
والمكتب هنا بين أن يخدم العراق والشيعة والمرجعية حين يسمح للكفاءات الشيعية من الاجتماع بالسيد السيستاني، وبين أن يُنهي حقبة السيد السيستاني اطال الله عمره بالعزل والقطيعة والخسارة للشيعة، وبعد ذلك إدانة التاريخ.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة