Skip to main content

هل يمكن أن يترك الإسرائيليون القدس؟

تقاريـر الاثنين 22 أيار 2017 الساعة 13:20 مساءً (عدد المشاهدات 2470)

بغداد/سكاي برس:

يُغلق أصحاب المحالّ التجارية في الحي المسلم من البلدة القديمة بالقدس أبوابهم يوم الأربعاء القادم، 24 مايو/أيار 20177، بسبب حظر التجوال. وسيقبع المواطنون الفلسطينيون خلف أبواب منازلهم المغلقة في الشوارع الضيقة والحواري المحيطة بطريق الآلام وطريق الواد.

وسينتشر الآلاف من رجال الشرطة الإسرائيلية في الأحياء المكتظة وحول جدران وأبواب القدس القديمة الحجرية الشاهقة، وذلك لمنع الاحتكاكات مع آلاف الإسرائيليين القوميين الذين سيحملون الأعلام ذات اللونين الأبيض والأزرق، ويضربون على الطبول، وينفخون في آلات الشوفار، حين يصلون إلى المدينة كعادتهم في الوقت نفسه كل عام للانطلاق في مسيراتٍ في الشوارع احتفالاً بيوم القدس (يوم أورشليم)، حسب ما جاء في تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وهذا العام ستكون المسيرة مشحونةً أكثر من المعتاد، إذ تتزامن في الوقت نفسه كالعادة مع ذكرى حرب الأيام الستة، التي استمرت من 5 إلى 10 يونيو/حزيران 1967، وشهدت سيطرة القوات الإسرائيلية على القدس والأراضي الفلسطينية، مثل الضفة الغربية وغزة، بالإضافة إلى هضبة الجولان السورية وسيناء المصرية في سلسلةٍ من الاجتياحات الخاطفة.

وبالنسبة للقوميين الإسرائيليين، يجري الاحتفال بهذه المناسبة كعيد "تحرير" وفتح الباب أمام المستوطنات الإسرائيلية ومطالبات إسرائيل بالسيادة على مدينة القدس بالكامل، والتي لا تعترف بها معظم دول العالم.

وسيحصل اليوم على اهتمامٍ أكبر هذا العام نتيجة زيارة الرئيس الأميركي المنتظرة هذا الأسبوع لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتشمل الزيارة حائط البراق بشكلٍ خاصٍ، الذي وصفه تقرير الغارديان بأنه أكثر الأماكن اليهودية قدسيةً، واستولى عليهه جنود المظلات الإسرائيليون عام 19677.

ولفت التقرير إلى أنه بالنسبة للفلسطينيين، ستُمثل الأسابيع القادمة خليطاً مريراً من العواطف المُناقِضة. إذ تعكس الذكرى مرور 50 عاماً من الاحتلال العسكري، وواقع صعوبة تحقيق حل إقامة الدولتين أكثر من أي وقتٍ مضى، وذلك على الرغم من عملية السلام التي جرت في أوسلو بالتسعينات، والانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005 وجولات المحادثات الطويلة والوعود التي لا نهاية لها من المجتمع الدولي والقادة الإسرائيليين والفلسطينيين.

ونقل موقع إسرائيل تايمز، عن نائب وزير الشؤون الدبلوماسية في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مايكل أورن، قوله، إن الفلسطينيين هم أكبر الرابحين في حرب 1967، حسبما أورد عنه موقع عربي 21.

وقال أورن "هذه الحرب رسمت الهوية الفلسطينية كما هي اليوم، زاعماً أن "إسرائيل" تعمل على إيجاد "حل دبلوماسي" للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأشار موقع إسرائيل تايمز ‏إلى أن أورن كان يتحدث في ندوة كمؤرخ وليس كمسؤول.

وستستمر احتفالات القدس طوال فترة الصيف، إذ تبدأ رسمياً يوم الإثنين، 22 مايو/أيار 2017، بالتزامن مع زيارة ترامب للمدينة في اليوم التالي، وستنتهي، في منتصف سبتمبر/أيلول 2017، أثناء الاحتفال الرسمي للحكومة الإسرائيلية بحرب الأيام الستة داخل مستوطنة غوش عتصيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأشارت الغارديان إلى أن معنى هذه الحرب ما زال لم يُحسم داخل المجتمع الإسرائيلي، ناهيك عن خارجه، مثلما كان غير محسوم منذ 50 عاماً عندما تقدم المظليون الإسرائيليون في طريقهم بين هذه الشوارع حتى وصلوا إلى حائط البراق.

بالنسبة لليمين الإسرائيلي، تُعتبر حرب الأيام الستة حدثاً لا لبس فيه، وهو ما أوضحه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي أعلن فيه تمويل الاحتفال، إذ وصف هذه الحرب بأنَّها: "أحد أعظم الانتصارات في تاريخ إسرائيل. إذ عُدنا من خلالها إلى أجزاءٍ كبيرةٍ من أرض وطننا، كما غيَّرت تماماً من وضعنا الاستراتيجي".

والرأي الأكثر وضوحاً كان لميري ريغيف، وزيرة الثقافة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة المثيرة للجدل، التي وصفت الاحتفال المخطط له قائلةً: "إنَّه احتفالٌ يلمس كل إسرائيلي، لأنَّ هذه الأجزاء لطالما كانت وستظل جزءاً من قلب إسرائيل الكبرى.

وتتابع الوزيرة الإسرائيلية مزاعمها قائلة: "هذه هي المناطق التي أطلق فيها إبراهيم جذور الأمة العبرية، وحوت أحداثاً مهمة عديدة في التاريخ الإسرائيلي منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا. وبغض النظر عن الاختلافات المتعلقة بالصراع على هذه المناطق، يجب على كل إسرائيلي أن يعرف ويقدس هذه الأماكن بوصفها مهد نشأة الأمة اليهودية وثقافتها".

استبعاد اليسار

ولفت تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، نقله موقع شجون عربية، التابع ‏لمركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط إلى أن الحكومة الإسرائيلية تستبعد جزءاً أساسياً من الجمهور اليهودي داخل إسرائيل وخارجها باحتفالات اليوبيل بحرب الأيام الستة.

ووصف التقرير احتفالات "التحرير" بأنها ستكون مُعقّمة: فهي لن تتطرق إلى الاحتلال وقمع ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق التي هي في نظرهم غير محررة، وإلى حرمانهم من حقوقهم الأساسية. كما أن الاحتفال المذكور أعلاه لن يشمل أيضاً التقدير الذي يتشارك فيه كثيرون بأن التحرير المذكور تحول إلى استعباد لإسرائيل واليهود، لا أقل عما هو بالنسبة للفلسطينيين، ولن يتناول الاحتفال بالطبع الثمن الاقتصادي والأخلاقي والدولي الذي دفعته إسرائيل وما تزال تدفعه. هذا من دون الحديث عن كونه ليس سهلاً بالنسبة إلى العرب في إسرائيل الذين تتعامل معهم الحكومة كأنهم غير موجودين.

ووفقاً للتقرير فإن ما يجري هو مرحلة أخرى في سياسة ثابتة لتطبيع الاحتلال وتحويل الموقف المعارض له إلى موقف انهزامي وخياني، والتي هي سمة مميزة في حكومة نتنياهو، الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وتجلى ذلك أيضاً من خلال إدخال برامج قومية إلى برامج التعليم، وفي الصراع الشرس ضد منظمات مدنية تناضل ضد الاحتلال وتخوينها، وهناك أعضاء كثر في المعارضة يشاركون في هذه الخطوة كي يتهرَّبوا من تصنيفهم بأنهم من اليسار، ومعهم أغلبية وسائل الإعلام التي تتجاهل في تقاريرها ما يجري في المناطق المحتلة والمضايقات والإهانات التي يعانيها الفلسطينيون منذ 50 عاماً.

فنتنياهو ووزراؤه ليسوا معنيين بإجراء نقاش أيديولوجي مع خصومهم من اليسار، وما يهمهم هو نزع الشرعية عنهم والتشكيك بولائهم وإبعادهم عن المعسكر. وكل من لا يشاركهم في نظرتهم يوصم بأنه يغرز سكيناً في ظهر الأمة. ويحقق هذا التكتيك نجاحاً: فالعديد من اليساريين في البلد ومن اليهود الليبراليين في الخارج، ينظرون إلى صورة إسرائيل المتغيرة ويقولون لأنفسهم إذا كانت هذه هي الصهيونية فإنهم على ما يبدو ليسوا صهيونيين.

حرب غيرت التاريخ

وأشارت الغارديان إلى أن "حرب الأيام الستة أعادت رسم منطقة الشرق الأوسط، وأكدت على مكانة إسرائيل كقوة إقليمية، وقضت على فكرة إمكانية سحق إسرائيل الوليدة على يد الجيوش العربية القوية"، حسب قولها.

وبينما فتحت الحرب الباب أمام السلام بين إسرائيل من جهة، ومصر والأردن من جهة أخرى، فقد نشأ معها فصلٌ جديد مظلم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فصلٌ تسيطر فيه إسرائيل.

وكانت الأحداث المباشرة التي أدت لاندلاع الحرب فوضويةً ومتناقضةً في نواياها أحياناً، ولعب التضليل السوفيتي دوراً أساسياً فيها بمعلوماتٍ عن خطةٍ إسرائيلية للهجوم على سوريا، ومن ثم تفاقمت التوترات على الحدود.

اندلعت الحرب بين إسرائيل من جهة، ومصر وسوريا والأردن من جهةٍ أخرى، وجاء الصراع بعد أسابيع متوترة من التصعيد العسكري المصري، أغلقت فيه مصر مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، وحشدت قواتها المسلحة على مقربةٍ من حدودها مع إسرائيل. وجاء الرد في صورة ضربةٍ جويةٍ إسرائيليةٍ وقائية نفذتها أكثر من 200 طائرةٍ حربية استهدفت القوات الجوية المصرية على الأرض داخل المطارات الحربية. وبانضمام الأردن للحرب، توغلت القوات الإسرائيلية في القدس الشرقية لتجتاح المواقع التي كانت تسيطر عليها القوات الأردنية في المدينة منذ أكثر من 19 عاماً.

وسرعان ما سقطت الضفة الغربية وغزة في يد القوات الإسرائيلية، بينما تقدمت هذه القوات في الشمال للسيطرة على هضبة الجولان وسط تقهقر الجيش السوري، وتوغلت في الجنوب داخل شبه جزيرة سيناء المصرية.

جدل داخل اليسار

وعلى الرغم من قصر فترة الحرب، إلا أنَّ تبعاتها المستمرة امتدت لعقود، وهو الأمر الذي توقعه البعض مباشرةً بعد نهاية المعركة. وبعد نهاية الحرب بقرابة الثلاثة شهور في أغسطس/آب عام 1967، كتب عاموس عوز، الذي أصبح الآن واحداً من أشهر الكُتَّاب في إسرائيل، مُحذِّراً كآخرين من مشاعر الاحتفاء القومي، مُشيراً إلى أن الغزو يعني الاحتلال الكامل، وليس تقليل عدد الأراضي الفلسطينية المزدحمة بالسكان.

وكتب عوز بوضوح في صحيفة دافار العمالية: "أصبحنا الآن مضطرين لحكم أناسٍ لا يرغبون في أن نحكمهم. ولدي مخاوف من البذور التي سنزرعها ونحصدها في قلوب من نحتلُّهم في القريب العاجل. كما أنَّ لدي مخاوف من البذور التي ستُزرع في قلوب المُحتلِّين أنفسهم".

لكن البعض الآخر، حتى من أوساط الحركة العمالية التي خرج منها عوز، كانت لهم رؤيةٌ مختلفةٌ كلياً. إذ أصدر شموئيل يوسف عجنون، الروائي الحاصل على جائزة نوبل، بياناً مع عددٍ من أبناء دائرته يحمل عنوان: "شجاعة الالتزام بكامل أراضينا"، وجاء في البيان أنَّه: "لا تمتلك حكومةٌ داخل إسرائيل الحق في التخلي عن جزءٍ من كامل أراضينا".

من النيل للفرات

 استمر هذا الجدل داخل المجتمع الإسرائيلي على مدار عقودٍ طويلة، واكتسب المزيد من الصلابة مع الوقت.

إذ انقسم الناس بين أولئك الذين يؤمنون بإعادة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها عام 1967 في مقابل السلام، كما حدث مع مصر وكان مخططاً مثله مع سوريا، وبين اليمين المتطرف القوي المؤيد للاستيطان والمسيطر على مقاليد السياسة، والذي يرى إسرائيل "ممتدةً من النيل إلى الفرات على أنَّها حقيقة الأرض الموعودة التي لا جدال عليها".

وإذا كان وصف احتفالات جوش عتصيون يُعبِّر عن التوجُّه الأخير، فإنَّ اتجاه اليسار يظهر جلياً في عدد صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليومية ليوم الـ7 من أبريل/نيسان 2017.

إذ أوضحت الصحيفة: "من وجهة النظر العسكرية، كانت الحرب نصراً عسكرياً مجيداً دون شكٍ وله دلائله. لكنَّها في الوقت نفسه حربٌ نتج عنها تحوُّلٌ جوهري في المجتمع الإسرائيلي. إذ أدت إلى زيادة الغطرسة القومية دون جامح، وهو الأمر الذي كبدنا خسائر دموية ضخمة على مدار الـ50 عاماً الماضية، وحوَّل النصر العسكري إلى هزيمةٍ أخلاقية. ولنكن أكثر واقعية، علينا أن نسميها حرب الأعوام الـ50 وليس حرب الأيام الستة، وبالنظر إلى الأوضاع السياسية فمن المحتمل أن تكون دورة حياة هذه الحرب لا نهائية".

هل يبالي الإسرائيليون بذكرى الحرب؟

لطالما كان صحفي هآرتس جدعون ليفي أحد أكثر المنتقدين بكل وضوحٍ وصراحة لتأثير الاحتلال الإسرائيلي الذي تبع نصر 1967. ويؤمن، على الرغم من ذلك، أن الذكرى الــ50 للحرب وتبعاتها ستُلاقى باللامبالاة وعدم الاهتمام خارج أوساط اليمين المؤيدد للاستيطان.

وأضاف: "أعتقد أنَّ معظم الإسرائيليين لن يبالوا بهذه الاحتفالات. فهذا المجتمع يعيش في حالةٍ من الإنكار. إنَّه مجتمعٌ مُستغرقٌ حتى النخاع في شؤونه الخاصة. ولن يحتفل أحدٌ سوى المُستوطنين. ولكن في الوقت نفسه لن يحزن أحد. ولهذا السبب تُعد جوش عتصيون المكان الأنسب لإقامة الحدث، لأنَّ المُستوطنين هم أكثر من سيشعر بقيمته. أمَّا في تل أبيب فلن يكترث الناس، ولن تنجح أي جهودٍ مصطنعةٍ من الحكومة في تغيير هذه الحقيقة".

ويرى مُعلقون إسرائيليون آخرون أنَّ الاحتفالات المنتظرة ستُضِّيع فرصةً كبيرة، إذ كان من المفترض أن تُركز على تبعات الحرب الإشكالية بدلاً من التركيز على الرواية القومية المُتفق عليها، وأهم عناصرها فكرة "الحرب الدفاعية" غير المتكافئة.

وكان الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين من بين من خدموا في الجيش خلال الحرب، وهو من أبناء الجيل السابع من سكان القدس، إذ انتقلت أسرته إلى المدينة عام 1809، وما زال يتذكر مشاعره وقتها حتى الآن.

ومِثل العديدين من أبناء جيله العلمانيين والمتدينين على حد السواء، يتذكر إحساسه بالنشوة عند سماع أخبار غزو القدس الشرقية والسيطرة على حائط البراق.

وقال ريفلين في تصريحه الأسبوع الماضي: "كنتُ ضابط مخابرات احتياطياً في سرية القدس، وأتذكر الأمر بوضوحٍ شديد. كنتُ داخل سيارة جيب عسكرية مُسافراً من بيت لحم إلى الخليل عندما سمعت أصوات زملائي الجنود على الراديو الخاص. لم نُصدق الأمر في البداية. لقد سيطرنا على الحرم القدسي (وهو الاسم الذي يطلقه اليهود على المنطقة التي تضم المسجد الأقصى والتي يزعم اليهود أن بها ما يسمى بالهيكل الثاني، وتعتبر أيضاً ثالث أكثر الأماكن قدسيةً في الإسلام). لا يُمكن أن أنسى تلك اللحظة. شعرنا وقتها جميعاً بأن تاريخ ومستقبل إسرائيل والشعب اليهودي أصبح على عاتقنا. لقد عدنا إلى أرضنا".

وبينما يتحدث ريفلين، عضو حزب الليكود الذي ينتمي له نتنياهو، عن أهمية التعايش المشترك داخل المدينة؛ يُدرك تماماً في الوقت نفسه حقيقة أنَّها ستظل أرضاً متنازعاً عليها.

ويُعتبر يائير لبيد أحد أشهر الساسة على الساحة في إسرائيل، وهو رئيس حزب هناك مستقبل الوسطي-اليميني، وهو الحزب الذي ينافس حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو على اكتساح الانتخابات. ويرى لبيد الـ500 عاماً الماضية كفترةٍ مُفعمة بالحيوية والتغيير.

وصرح لبيد لصحيفة أوبزيرفر البريطانية داخل الكنيست (برلمان إسرائيل): "نحن أمام حقيقتين متنافستين. الأولى هي حقيقة أنَّ الحلم الصهيوني لم يكن ليكتمل دون إعاد توحيد القدس.

كان والدي أكثر الأشخاص الذين ستقابلهم في حياتك علمانية، وكان ملحداً مخلصاً. وبعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا، قرَّر القدوم إلى هذه الأرض، ولم يختر ركوب قاربه إلى الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة. لم يأتِ إلى هنا بسبب المباني التجارية المستقبلية في تل أبيب، بل نتيجة شغفه ببرج القلعة وحائط البراق، ورغبته في التواصل مع أماكن الأنبياء: إرميا وإشعياء وحزقيال.

لكنَّ لبيد استدرك قائلاً "الحقيقة الأخرى التي يجب أن ندركها هي أنَّه ليست لدينا رغبةٌ في حُكم 2.9 مليون فلسطيني، آخذين التدابير الأمنية اللازمة بعين الاعتبار. ليس هناك ما يُهمنا في نابلس ورام الله، وبالتالي علينا التخلي عن هذه الفكرة. ليس لأنَّها أرضهم، بل لأننا مستعدون للتخلي عن شيءٍ نملكه من أجل حماية أنفسنا من وضعٍ يُهدِّد الشخصية اليهودية لإسرائيل. لهذا لا يُمكننا مناقشة ما انتهت إليه حرب الأيام الستة كنتيجةٍ واحدةٍ أو نهايةٍ ذات منظورٍ أحادي الأبعاد. فمثلها مثل كل شيءٍ آخر في هذه البلاد: الأمر معقَّد".

وهذا التعقيد فصَّله مؤرخون مثل أفي شلايم وبيني موريس. إذ أجرى شلايم، مؤلف كتاب The Iron Walll (وهو دراسةٌ شهيرةٌ عن السياسات العسكرية الإسرائيلية)، دراسةً لاذعة لملفات مجلس الوزراء وقادة أركان الجيش أثناء الحرب. وعلى الرغم من اتفاقهه على فكرة كونها "حرباً دفاعية"، لكنَّه يرى أنَّهم فقدوا الكثير من الفرص في غمرة البهجة القومية بسهولة الانتصار، بما في ذلك فرصة خلق سلامٍ أوسع.

وصرَّح شلايم لصحيفة أوبزيرفر: "لقد ضلَّت الصهيونية (الحركة التاريخية الداعية لحق اليهود في تقرير مصيرهم داخل دولتهم) طريقها عام 1967. وهذا هو بيت القصيد. كان الهدف الرئيسي للحركة الصهيونية قبل الحرب هو تأسيس دولة يهودية مستقلة في فلسطين. لكنَّ هذا الهدف تحقق عشية الحرب. وأدى انتصار 1967 إلى إعادة فتح التساؤل القديم عن الأهداف الإقليمية للصهيونية. ويتقاطع الاتجاهان المعاصران اللذان نتجا عن الحرب مع توجهات الأحزاب... وكان الانقسام الكبير بعد 1967 بين أولئك الذين قبلوا تقسيم فلسطين كحلٍّ للصراع، وأولئك الذين يرون أنَّ الضفة الغربية هي جزءٌ لا يتجزأ من أرض إسرائيل. ووسط مجتمعٍ إسرائيليٍّ مُنقسم إلى قسمين، قرَّرت الحكومة حلَّ الأزمة بعدم اتخاذ قرار".

وبالنسبة لبيني موريس، الذي يعمل حالياً كأستاذٍ زائر متخصص في الدراسات الإسرائيلية بجامعة جورجتاون، انقسم الصراع على الانتصار بطريقةٍ أخرى أيضاً.

إذ قال موريس: "نتيجة الحرب النهائية كانت أنَّها ساهمت في تسريع الاقتراب من عملية السلام مع العرب، وفي الوقت نفسه تقويض السلام بين إسرائيل والعرب. فمن جهة، أسهمت الحرب في تسريع السلام لكونها حاسمةً لدرجةٍ أقنعت الأنظمة العربية باستحالة هزيمة إسرائيل عسكرياً، كما منحت إسرائيل أوراق مقايضة من ناحية الأرض التي يُمكن تسليمها في سيناء مقابل السلام مع مصر.

ومن جهةٍ أخرى، أسهمت في نهضة فكر وأيديولوجية التوسع اليميني العقائدي، والتي لم تكن موجودةً على أرض الواقع قبل 1967. وبمجرد أن سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وبدأت في بناء المزيد والمزيد من المستوطنات، أصبح هذا عقبةً كبرى في طريق السلام".

النصب التذكاري في تل الذخيرة بالقدس هو أفضل موقعٍ وطني إسرائيلي مخصص لذكرى حرب الأيام الستة، حسب الغارديان، إذ شهد هذا الموقع أشرس معركة دارت بين الجنود الأردنيين والمظليين الإسرائيليين، وعجَّل سقوط تل الذخيرة في الـ7 من يونيو/حزيران 2017، بالسيطرة على القدس الشرقية سريعاً فيما بعد، وكان هذا هو محور تحول تاريخ المنطقة على مدار نصف قرن.

وكان من بين زوار تل الذخيرة امرأتان تُدعيان ياهوديت قاتز وأدارا زاق، وتبلغان من العمر 80 عاماً. قالت قاتز عند سؤالها عن إرث الحرب: "أهم شيءٍ هو أنَّ القدس تم توحيدها مع إسرائيل". ولكنَّ صديقتها سرعان ما قاطعتها قائلةً: "لم يتم توحيدها بعد، ما زالت هناك علامة استفهامٍ كبيرة على كل شيء"، وفقاً لما جاء بتقرير الغارديان .

 

والده قتل

ومن داخل مكتبه في المتحف، يُفضِّل ألون والد (مدير التسويق والفعاليات في الموقع) الهروب من النقاشات السياسية والأيديولوجية عن الحرب. لكنَّ الصراع يُمثِّل معنىً خاصاً وشخصياً بالنسبة له. فوالده رامي كان من ضمن 36 جندياً إسرائيلياً قُتلوا على التل خلال المعركة، على بعد 50 متراً من المكتب الذي يجلس فيه ألون الآن. ويعترف بأنَّ هذه الحقيقة حددت الكثير من مجريات حياته.

ويقول ألون: "أبلغ من العمر 50 عاماً. وأنا أنتمي لجيل الإسرائيليين التالي للرجال الذين حاربوا في هذا المكان".

وأضاف أنَّه يتمنى أن تنأى فعاليات إحياء الذكرى هذا العام عن السياسة ولو للحظةٍ وجيزة. وتابع: "الأمر يتعلق بالانتماء، والشعور بالارتباط".

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة