Skip to main content

ماذا يعني ظهور حمزة بن لادن؟

مقالات الخميس 14 كانون أول 2017 الساعة 09:33 صباحاً (عدد المشاهدات 3857)

بقلم: عبد الباري عطوان

ان يظهر حمزة بن لادن نجل الشيخ أسامة بن لادن زعيم تنظيم “القاعدة” في شريط مصور بثته مؤسسة “السحاب” وينتقد فيه المملكة العربية السعودية وتحالفها مع الولايات المتحدة الامريكية، ويطالب بإطاحة اسرتها الحاكمة، فإن هذا الظهور، وتوقيته يثير العديد من علامات الاستفهام، ويطرح العديد من الأسئلة حول الدوافع والنتائج والتطورات المستقبلية.

هناك تشابه في الظروف والمناخات السياسية التي بدأ فيها حمزة بن لادن في البروز على الساحة السياسية والجهادية، وتلك التي برز فيها والده بعد غزو الكويت عام 1990، ومغادرته الى الخرطوم بعد “تحايله” على حكومة بلاده، التي وضعته تحت الإقامة الجبرية، ومنعته من السفر، وبدأ تجميع “المجاهدين العرب” في مزارعه وشركات مقاولاته، تمهيدا لتأسيس التنظيم، الذي عُرف بعد ذلك باسم تنظيم “القاعدة”.

بن لادن الاب، بدأ عمله السياسي الجديد انطلاقا من الخرطوم بعد انتهاء دوره في “الجهاد الافغاني” بإنسحاب القوات السوفييتية مهزومة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، من خلال تشكيل “هيئة النصيحة”، واصدار بيانات بإسمها تنتقد المملكة العربية السعودية واستعانتها بقوات أمريكية بقيت على ارضها بعد تحرير الكويت، واستفحال الفساد فيها، ونجح من خلال هذه الخطوة في استقطاب عدد من الدعاة الشبان الجدد الذين عرفوا باسم “نجوم الصحوة”، وكان من بينهم سلمان العودة، وسفر الحوالي، وعوض القرني، والقائمة تطول، واعلن بعضهم تأييده لتحرك بن لادن الجديد واطروحاته، بينما فضل البعض الآخر التعاطف عن بعد.

الشاب حمزة بن لادن كان الأقرب الى والده وفكره بين أولاده الآخرين، وكان يلازمه في الكثير من جولاته وتحركاته، واختياره السير على الطريق نفسه يؤكد تأثره بالعقيدة الأيديولوجية التي يتبناها والده والمنضويين تحت مظلة تنظيم “القاعدة”، وتمثيله، وربما قيادته، للجيل الثاني الذي من المعتقد انه قد يكون الأكثر خطورة وتطرفا في تنفيذ هجمات إرهابية، سواء في داخل المملكة او في عواصم غربية.

لا نعتقد ان تزامن صعود نجم حمزة بن لادن، وظهوره مجددا على الساحة خليفة محتمل لوالده، مع تداول تسجيل للدكتور ايمن الظواهري، زعيم تنظيم “القاعدة” يفك فيه “البيعة” مع جبهة “النصرة” وزعيمها ابو محمد الجولاني، وخسارة تنظيم “الدولة الإسلامية” لآخر مواقفها في سورية والعراق، كان من قبيل الصدفة، فهناك ترابط واضح بين هذه الظواهر الثلاث.

هزيمة “الدولة الإسلامية” في سورية والعراق وانهيار “الخلافة” التي اعلنها قائدها ابو بكر البغدادي من منبر الجامع النوري الكبير في الموصل قبل ثلاثة أعوام، ولو مؤقتا، وانكماش جبهة النصرة، وتراجع حجم قوتها في سورية، وحدوث انشقاقات متعددة في وسطها، ربما خلق فراغا اعتقد حمزة بن لادن وشيخه ايمن الظاهري، ان تنظيم “القاعدة” بقيادته الشابة الجديدة قادر على ملئه، خاصة ان وجوده ما زال قويا في عدة بلدان مثل اليمن، وأفغانستان وباكستان والقوقاز، ومنطقة الساحل الافريقي، الى جانب العراق والجزيرة العربية.

المقارنة بين بن لادن الاب وبن لادن الابن على صعيد “الكاريزما” والامكانيات المادية، وشبكة العلاقات التنظيمية ليست في محلها، لكن هناك نقطة مهمة لا يجب تجاهلها، وهي وجود اكثر من خمس دول فاشلة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ممكن ان تشكل حواضن دافئة لتنظيم “القاعدة” في مرحلة نشوئه الثانية المفترضة، واتساع دائرة الإحباط والغضب في أوساط شريحة من الشبان المسلمين نتيجة الهزائم المتناسلة على ايدي إسرائيل والغرب، وتسارع تطبيع حكومات عربية وإسلامية معها.

ما يميز تنظيم “القاعدة” عن “شقيقه” “الدولة الإسلامية” هو ان الأول لم يكن متطرفا طائفيا، ولم يعلن العداء للشيعة، ورسالة الدكتور الظواهري التي انتقد فيها ابو مصعب الزرقاوي وممارساته ضد الشيعة في العراق، ربما تؤكد هذه الحقيقة.

لا نعرف طبيعة الفكر الأيديولوجي الذي يتبناه حمزة بن لادن، وهل هو متطابق مع فكر والده وقناعاته، ام جرى ادخال بعض المفاهيم والتفسيرات والتوجهات الجديدة عليه، وخاصة فيما يتعلق بالمسألة الطائفية، ومدى استعداده، أي حمزة بن لادن، للتنسيق والتعاون، باعتباره يمثل “القاعدة الام” مع تنظيم “الدولة الإسلامية” الفرع الأقوى، وجبهة “النصرة” وتنظيمات إسلامية اخرى، خاصة ان هناك مؤشرات تؤكد ان تنظيم “الدولة” لن يختفي كليا، وسيعود للعمل السري تحت الارض، واتباع نهج الهجمات الإرهابية للانتقام من خصومه والقوة الإقليمية والعظمى التي تكتلت للإطاحة بدولته.

الامر المؤكد ان حمزة بن لادن، الذي ترجح معظم التقارير الإخبارية وجوده في أفغانستان، سيكون مثل والده، هدفا للاغتيال من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية والأمريكية خاصة، وفي اسرع فرصة ممكنة حتى لا يعيد تجميع التنظيم وقدراته العملياته تحت قيادته.

استخدام بن لادن الابن ورقة الاعتراف الأمريكي بتهويد القدس، ومحاولة توظيف حالة الغضب العارمة التي تجتاح العالم الإسلامي ضد أمريكا بسببها، واتهام المملكة العربية السعودية ارض الحرمين بعدم اتخاذ مواقف قوية، حسب رأيه، للتصدي لهذه الطعنة الامريكية، توحي بأن ظهوره مجددا عمل مدروس، وان هناك آلة سياسية وإعلامية تقف خلفه، وان الرسالة التي يريد توجيهها تقول بأن القضية الفلسطينية قد تكون على قمة اهتمامات التنظيم في المرحلة المقبلة.. والله اعلم.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك