Skip to main content

هل تُحاكَم أمريكا لاعترافها بصناعة "داعش"؟

تقاريـر السبت 14 كانون ثاني 2017 الساعة 18:50 مساءً (عدد المشاهدات 3563)

بغداد/سكاي برس:

لطالما كنّا من أصحاب النظرية القائلة بوقوف الاستخبارات الأمريكية خلف الجماعات التكفيرية في  سوريا والعراق، إلا أنه لم يكن هناك دليل إدانة يمكن الاستناد عليه في الأروقة الدولية عدا الضربات الأمريكية لأعداء داعش، وإمداد الأخيرة بالذخيرة والسلاح، التي كانت تضعها واشنطن في إطار الأخطاء العسكرية.

هذه الاتهامات التي بدأت في أفغانستان إبان الحرب مع الاتحاد السوفياتي، تعود اليوم بحلّة جديدة عنوانها "داعش" في سوريا والعراق. ورغم  اقتصار هذه الاتهامات على أعداء واشنطن، وبعض الإشارات من حلفائها، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقبيل الانتخابات الأمريكية أكّد مراراً وقوف إدارة أوباما خلف ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا، إلا أن هذه الاتهامات وضعتها العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية في إطار الإتهام السياسي ولأسباب انتخابيّة بحتة.

ما ظهر خلال اليومين الماضيين، سواءً فيما يتعلّق بالتسريب الصوتي لوزير الخارجية الأمريكي المنتهية صلاحيته جون كيري، أو المؤتمر الصحفي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يؤكد الحقيقة نفسها: أمريكا هي من أوجدت داعش.

لا أعتقد أن الكثير منا يحتاجون إلى تسريبات تؤكد تورّط أمريكا، ولعل تجربة القاعدة خير دليل على ذلك حيث تعمد الاستخبارات الأمريكية للقتال غير المباشر عبر هذه الجماعات  الإرهابية التي أوجدت لواشنطن مادة دسمة أمام الرأي العام للتدخّل العسكري سواءً في أفغانستان، العراق أو ما كان سيحصل في سوريا لولا التدخل الروسي والإيراني، وبطبيعة الحال كل ذلك تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

عوداً على بدء، فبعد التسريب الصوتي لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري في محادثات مغلقة أجراها مع نشطاء سوريين في الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر سبتمبر/أيلول عام 2015 والتي جاء فيها "إن توسع "داعش" في سوريا قبل تدخل روسيا ومساعدتها لدمشق في قتال التنظيم كان سيجبر الرئيس السوري بشار الأسد على التفاوض مع واشنطن"، جدّد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خلال مؤتمره الصحفي الأخير اتهاماته السابقة مؤكداً أن إدارة أوباما التي تغادر هي التي أوجدت داعش. هذه الاتهامات تدفعنا لطرح الأسئلة التالية: هل ستحاكم الدول التي دمّرها أو هاجمها التنظيم الإرهابي في آسيا وأوروبا، أمريكا على فعلتها؟ ماذا عن عشرات الآلاف، وربّما المئات، من عوائل ضحايا التنظيم الإرهابي الأبرز فهل سيلجأون إلى القضاء الدولي؟ وهل تسمح أمريكا بذلك؟

لا يهمنا ماذا يفعل حلفاء أمريكا كفرنسا وألمانيا، فهل يكتفون بالمعاتبة أم أبعد من ذلك، ولكن من المفترض أن تتقدّم الحكومات في بلادنا، العراق وسوريا مصر ولبنان وليبيا بدعاوى ضد واشنطن في الجنائية الدولية بغية محاكمة كافّة الجهات أو الدول المتورّطة في صناعة الإرهاب الداعشي.

ولعل أقل ما يمكن تحصيله من أمريكا هي الخسائر التي لحقت بسوريا خلال السنوات الماضية حيث تشير واحدة من آخر الدراسات التي نشرت إلى أنّ خسائر سوريا على مدار سنوات الحرب وصلت إلى 1170 مليار دولار، بما يشمل قيمة الخسائر في جميع القطاعات وكلفة إعادة الإعمار جهداً ومالاً، عدا الخسائر البشرية التي لا تقدّر بثمن.

لا تقتصر هذه الأرقام المخيفة على سوريا فقط، بل هناك أرقام مماثلة في العراق وبقيّة الدول التي طالتها نيران داعش. كما أن المطالبة لا تقتصر على من هم  خارج أمريكا فقد وقّع ما يقرب من 8,5 الف شخص عريضة تدعو إلى محاكمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لـ "ارتكابه جرائم حرب"، نشرت على الموقع الرسمي  للبيت الأبيض، وقد جاء في العريضة: "نطالب باعتبار باراك أوباما مذنبا في ارتكاب جرائم حرب، وندعو إلى تقديمه أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ".

أمريكا أرادت محاكمة السعودية على أحداث 11 سبتمبر بسبب تورّط الأخيرة عبر قانون "جاستا" الذي رفضته بعض الأصوات الأمريكية كونه يتيح لدول العالم التعاطي بالمثل مع واشنطن. لم يكن رفض هذه الأصوات عبثياً، بل لإدراكها المسبق أن القانون الذي سيدر على واشنطن حوالي ألف مليار دولار، قد يكبّدها عشرات وربّما مئات أضعاف هذا الرقم، أي أكثر من ميزانية كل دول العالم مجتمعة!

لن تقتصر المحاكمة على أمريكا بل ستطال كافّة الدول التي دعمت أو شاركت في صناعة داعش كتركيا  والسعودية وقطر، ما يجعلها أيضاً عرضةً للمسائلة الجنائيّة.

ندرك مسبقاً أن الجنائية الدولية الأمم المتحدة ومجلس الأمن،  تعاقب "الضعفاء" وتمتنع عن "الأقوياء"، ولكن إن هذه الإجراءات تؤكد للأجيال القادمة أن سبب كل أزمات المنطقة هي أمريكا ومن يعتمد عليها، ومن لا يصدّق ذلك، فليراجع الكتاب الذي صدر حديثاً في أمريكا حول دور واشنطن في السياسة اللبنانيّة في بداية الحرب الأهليّة تحت عنوان "ميادين التدخّل: السياسة الخارجيّة الأميركيّة وانهيار لبنان، ١٩٦٧ ــــ ١٩٧٦"، والذي يعتمد على الأرشيف الأميركي من سجلات وزارة الخارجية ودوائر استخبارية وغيرها، ليدرك كيف أشعلت واشنطن الحرب الأهلية اللبنانيّة.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة