Skip to main content

بالصور.. بقايا داعش في القيارة جنوبي الموصل

المشهد الأمني الثلاثاء 30 آب 2016 الساعة 10:05 صباحاً (عدد المشاهدات 904)

بغداد/سكاي برس:ah

وحدها اللافتات والشعارات التي خرقتها القذائف، هي ما تبقى من تنظيم داعش في القيارة، جنوبي الموصل.

على مشارف القيارة، التي تقع على بعد 60 كيلومترا جنوب الموصل، ترتفع سحابة من الدخان الأسود، مذكرة بأن معركة قد دارت هنا قبل وقت قصير.

وعندما تتقدم صوب المدينة سيفجؤك الدمار المخيم على منطقة مصفاتها النفطية وملعبها الرياضي، فجعل من مبانيها ركاما وكأنها مخلفات زلزال قوي، لكنها آثار القصف الجوي الذي استهدف مواقع مقاومة عناصر تنظيم داعش وكان العامل الحاسم في المعركة.

رغم ذلك لم تخلف معركة القيارة دمارا واسعا على سكانها قياسا بما حدث في الرمادي ونواحي الفلوجة ومركزها، فمركز القيارة وبيوته لا تزال قائمة ومدنيون كثيرون يقطنونه ويهرعون إلى خارج منازلهم لتحية سيارات الجيش أو الصحفيين بمجرد سماع صوت محركاتها، وكأنهم يريدون إعلان ولائهم وتأييدهم.

يتقدم أحد السكان المحليين من فريقنا مشيرا إلى كومة من النيران، تنبعث منها رائحة آدمي يحترق، ويقول "جثتان لاثنين من الدواعش، أحدهما أجنبي والآخر عربي غريب".

لا يقدم تبريرات لعدم قيام الأهالي بدفنهما كبشر عاديين، فواقع الحال أن الجميع منشغلون بتبرئة أنفسهم من جرم معرفة "داعش" وكأن التنظيم وعناصره لم يبقوا هنا لأكثر من عامين.

بقايا الجداريات والشعارات التي برع التنظيم في نشرها بالشوارع والساحات، هي الدليل الوحيد على وجوده قبل ايام في القيارة التابعة لولاية دجلة، حسب التقسيم الإداري "للدولة الإسلامية"، لافتة إعدت بإتقان على الطريق الرئيسي وقد شطرتها قذيفة تقول: "معا نرعى شجرة الخلافة"، وشعارات على جدار روضة الاطفال، كلها تمجد "دولة الخلافة" وسنة العراق وتدين من تنعتهم الملصقات بـ"طواغيت العرب".

لن تخطئ عيناك علامات البيروقراطية التي تمتع بها التنظيم عبر دواوينه، ربما للايحاء بأنه دولة بالفعل لها جهاز وسلطات، فقد أعد سجلا دقيقا بالمباني والدور والمتاجر، وختم عليها بشعار "عقارات الدولة الإسلامية" بخط الرقعة إضافة إلى "ن" التي تميز عقارات المسيحيين وإلى "مصادر" لمن لا يعرف مصير صاحبه، أ و"يراجع خلال .. يوما".

وسترى لافتات الطرق تحمل إرشادات محددة أحيانا ، مثل: ممنوع الاستدارة يمينا بأمر الحسبة.

لكن أول ما تلحظه في القيارة هو قلة عدد الرجال قياسا بالاطفال والنساء.. وحين سألت بعض النسوة عن رجالهن، قالت أحداهن "اخذتهم داعش، وأكملت أخذتهم كرهائن".

لكنك ستسمع الكثير من حديث اليافعين عن فرار معظم رجال التنظيم ومقاتليه إلى الموصل أو القرى القريبة، التي يبعد بعضها عن القيارة ستة كيلومترات تقريبا.

لا يمكن تصديق أو تكذيب كل ما تسمعه عن قسوة الحياة تحت حكم التنظيم، فنهم من التقيناهم للتدخين وطلب السجائر من الزائرين واضح للعيان، الرغم أنهم قالوا إنهم كانوا يدخنون سرا.

أما ما قيل عن حظر الأطباق اللاقطة للبث التليفزيوني فيبدو أن الحظر لم يكن كاملا، فالاطباق كثيرة وماثلة للعيان على أسطح البيوت في مشارف القيارة.

اكتفى التنظيم بتطبيق قواعده المظهرية على الزي واللحية والصلاة، لكن حياة آخرى كانت تجري تحت حكمه ويبدو أن الضغوط المتزايدة عليه في الشهور الأخيرة شغلته عن قواعده الصارمة.

يشير "محمد"، وهو أربعيني من سكان القيارة "الى أشجار الدفلى الصغيرة في وسط الطريق، يقول "هذا نبات مر ولا تأكله الحيوانات، ولا يمكن إجبارها على أكله، الدواعش لم يفهموا ذلك وأرادوا تغيير حياتنا بنفس الطريقة".

معظم الصبية والآباء الذين تحدثنا اليهم كانوا قد توقفوا عن ارتياد المدارس، بعضهم تعرض أيضا لعقوبة الجلد من رجال "الدولة" بسبب عدم تقصير زيه أو عدم إطلاق لحيته عندما نبتت.

لكن عباس فرج عبد الله ، الذي يعمل في تشغيل محطة مياه القيارة يقدم رواية تختلف كثيرا، عن رواية الظلم والقهر السائدة، من خلال عمله في محطة المياه "قبل وصول الدولة الإسلامية أو داعش لم تكن بيوتنا تصلها مياه، كان لدينا المعدات، وكان قادة التنظيم واحد يدعى ابراهيم من أبناء القيارة، أصر على تشغيل الماكينات وتزويد المدينة وكل محيطها بمياه الشرب، كانت امدادات المياه تصل لمسافة 25 كيلومترا ، وامدادات الكهرباء تأتي من السد". يقول عباس إن الخدمات الرئيسية كانت تعمل بكفاءة .

يروي عباس ان أحدا لم يطلب منه شيئا سوى اطلاق لحيته وتقصير زيه "وهذا من عموم السنة" ، لكنه حين تغيب عن العمل ليوم واحد "وضعوا مدفعا في بيتي لهدمه لأنهم ظنوا اني هربت، لكن في الحقيقة لم أحاول الهرب ولم أجرؤ على التفكير بالهرب أصلا".

ويقول إن التليفزيونات وأجهزة الموبيل كانت ممنوعة لأن تنظيم الدولة لم يرد أن يعرف "الاعداء" ما لديه.

لكنه لم يرسل ابنه الذي يبلغ من العمر 8 سنوات إلى مدارسهم لان المدرسين قد هربوا من القيارة ، ولم ينخرط في تنظيمهم "كان العاملون مثلي يحصلون على رواتبهم بانتظام من أموال الجباية التي يجمعها التنظيم من المنازل والمتاجر".

علق أحد زملائي على الحياة القاسية تحت التنظيم مشيرا إلى لافته تقول إن سعر كيلو اللحم في القيارة بسبعة الاف دينار عراقي فيما يبلغ سعره في بغداد 16 الف دينار.

"عملية نموذجية"

اقتصر دخول القيارة على قوات مكافحة الإرهاب أو ما تسمى بـ"الفرقة الذهبية" التي أشرف على تدريبها الأميركيون، وعندما تكلف هذه الفرقة وحدها باستعادة منطقة أو مدينة من التنظيم، فإن ذلك يعد بمثابة رسالة تطمين للسكان بأن بيوتهم وممتلكاتهم لن تتعرض لسلب أو حرق.

يقف اللواء الركن معن السعدي ، قائد العمليات الخاصة في الفرقة الذهبية الثانية، أمام حشد من الرجال والصبية الذين إجلسوا وسط الشارع الرئيسي، انتظارا لاستجوابهم، من قبل عناصر استخبارات الجيش، يتحدث اليهم ويحيونه بالتصفيق .

يصف عملية استعادة القيارة بالعملية النموذجية، أسأله عن مصير المعتقلين من أهالي القيارة يقول" صحيح هناك معتقلون وهم لدينا، وتتولى استخبارات الجيش وقيادة علميات نينوى التحقيق مهم".

أستعيد في ذاكرتي موقفا مشابها عندما اقتحمت قوات الحشد الشعبي منطقة الكرمة ضمن عملية الفلوجة، وثار حديث عن اختفاء مئات المدنيين من سكانها، وقتها سألت وزير الداخلية السابق عن مصير المدنيين، قال لي " لم يكن هناك مدنيون هنا".

ويرى السعدي أن عملية القيارة نموذجية فخلالها تعاون الجيش مع الأهالي الذين استمعوا للتحذيرات "توقعنا ان تستغرق العملية أربعة أيام لكننا أنجزناها في اثنتين وسبعين ساعة، ولم يقتل مدني واحد ، لأنهم ابتعدوا عن مواقع (داعش) كما طالبناهم. وهو ما يمكن في رأيه أن يكون مثالا للعملية الموسعة لاستعادة بقية محافظة نينوى والموصل عاصمتها .

عندما وصلنا القيارة صباح السبت الماضي، كان السكان يشكون من قلة المعونة، وبعد ساعات ونحن نغادرها مساء اليوم نفسه، كانت عشرات الشاحنات محملة بالأرز والزيت والطحين ومياه الشرب ومعدات تنقيتها، صحيح أن قادة الجيش ومحافظة نينوى كانوا هناك يحتفلون، لكن الصحيح أيضا، أن هذا الاهتمام كان رسالة واضحة إلى بقية نواحي ومدن نينوى والموصل، تحث السكان على الخروج أو التخلي عن تنظيم الدولة ورجاله ومقاره انتظارا للمعركة الكبيرة.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة